والثاني : بأن يكون أحد المطّردين أشرف من الآخر ، فإنّ الاشتقاق من الأشرف أولى ، عند بعضهم ، كـ «مالك» قيل : إنه من معنى القدرة ، وقيل : إنه من معنى الشّدّ والرّبط ، والثاني قول ابن السّرّاج ، والأول قول أبي بكر أحمد بن عليّ ، ابن الإخشيذ. فسئل : لم جعلته من معنى القدرة ، دون معنى الشّدّ والربط؟ فقال : لأنّ الله تعالى اشتقّ اسمه منه ، في صفات ، فقيل : مالك وملك ومليك.
والثالث : كون أحد المطّردين أبين وأظهر ، فيكون الأخذ منه لذلك أولى ، لأنّ الأظهر طريق إلى الأغمض ، والأبين طريق إلى الأخفى ، كـ «الإقبال» و «القبل».
والرابع : كون أحدهما أخصّ من الآخر ، فالأخصّ أولى من الأعمّ ، الذي هو له ولغيره ، كـ «الفضل» و «الفضيلة» ، لو قال قائل : أصله «الزيادة» ، وقال آخر : أصله «المدحة» ، كان قول صاحب الزيادة أولى : لأنّ معنى المدحة ، في أشياء كثيرة ، هي أعمّ من الزيادة ؛ ألا ترى أنّ معنى المدحة ، في العلم والقدرة والنعمة والنّصفة ، وفيما لا يحصى كثرة من الأفعال الحسنة.
والخامس : أن يكون أحدهما أحسن تصرّفا ، فتجد ردّه إليه سهلا قريبا ، وبيّنا واضحا ، كباب «المعارضة» و «الاعتراض» و «التعريض» و «العارض» و «العرض» ، وردّه كلّه إلى معنى «العرض» ، وهو الظهور ، من قولك «عرض عرضا» إذا ظهر ، أولى من ردّه إلى العرض : الناحية من نواحي الشيء ، وإن كان أبو إسحاق قد ردّه إلى الناحية ، لمّا رآها تطرّد في الباب كلّه ، ولم يراع باب الأحسن في المطرّدين.
والسادس : كون أحدهما أقرب من الآخر ، فيكون الأقرب أولى من الأبعد ، وذلك أنّ الأبعد يرجع الفرع إليه ، بكثرة وسائط ، والأقرب ، يرجع إليه ، بقلّة وسائط ، وكذلك ردّك إلى الأصل الواحد قد يكون من طرق مختلفة ، أحدها أقرب من الآخر ، فيكون الردّ بالطريق الأقرب أولى ، كردّك «العقار» إلى «العقر» ، من جهة أنها تعقر الفهم ، فإنه أحسن من ردّها إليه ، من جهة أنّ الشارب لها يسكر ، فيفسد ويعقر ، فالأول أقرب.
والسابع : أن يكون أحدهما أليق ، وأشدّ ملاءمة ، وذلك كـ : «الهداية» هي أليق بـ «الدّلالة» ، منها بمعنى «التقدّم» ، من قولك «هوادي الوحش» لمتقدّماتها.
والثامن : أن يكون أحدهما مطلقا والآخر مضمّنا ، وذلك كـ : «القرب» و «المقاربة». فالقرب أولى من المقاربة ؛ لأنّ مضمّنة ، والقرب مطلق.
والتاسع : أن يكون أحدهما جوهرا والآخر عرضا ، فيكون الردّ إلى الجوهر أولى من