تغيير التصغير والتكسير ، وأشباه ذلك ، ممّا تصرّف فيه الكلمة على وجوه كثيرة ، وهو شبه الاشتقاق ، إلّا أنّ الفرق بينهما أنّ الاشتقاق مختصّ بما فعلت العرب من ذلك ، والتصريف عامّ لما فعلته العرب ، ولما نحدثه نحن بالقياس ، فكلّ اشتقاق تصريف وليس كلّ تصريف اشتقاقا ، ومما يدلّ ، على أنّ الاشتقاق تصريف ، قول رؤبة ، يصف امرأة بكثرة الخصومة :
*تشتقّ ، في الباطل ، منها ، الممتذق* (١)
فإن قيل : ما نحدثه لا دليل فيه على معرفة زائد من أصليّ ، وإنما الدليل فيما فعلت العرب من ذلك ، والذي فعلته العرب من ذلك قد زعمت أنه يسمّى اشتقاقا ، فلأيّ شيء عددت ، فيما يعرف به الزائد من الأصليّ ، الاشتقاق والتصريف ، وهلّا اكتفيت بأحدهما عن الآخر؟
فالجواب : أنه إذا كان الاستدلال ، على الزيادة أو الأصالة ، بردّ الفرع إلى أصله ، سمّي ذلك اشتقاقا ، وإذا كان الاستدلال ، عليهما بالفرع ، سمّي ذلك تصريفا ، فمثال الاستدلال ، بردّ الفرع إلى الأصل ، استدلالنا على زيادة همزة «أحمر» مثلا ، بأنه مأخوذ من «الحمرة» ، فالحمرة هي الأصل الذي أخذ منه أحمر ، فهذا وأمثاله يسمّى اشتقاقا ؛ لأنّ المستدلّ على زيادة همزته ، وهو «أحمر» ، مأخوذ من «الحمرة» ، ومثال الاستدلال ، على الزيادة بالفرع ، استدلالنا على زيادة ياء «أيصر» (٢) ، بقولهم في جمعه «إضار» ، بحذف الياء وإثبات الهمزة ، فـ : «إصار» فرع عن «أيصر» ؛ لأنه جمعه ، فهذا وأمثاله يسمّى تصريفا ؛ لأنّ المستدلّ على زيادة يائه ، وهو «أيصر» ، ليس بمشتقّ من «إصار» ، بل «إصار» تصريف من تصاريفه ، الدالّة على زيادة يائه.
واعلم أنه لا يدخل التصريف ، ولا الاشتقاق ، في الأصول المختلفة ، نحو «لأآل» (٣) و «لؤلؤ» ، لا ينبغي أن يقال إنّ أحدهما من الآخر ، لأنّ «لأآلا» من تركيب «لءل» ؛ و «لؤلؤا» من تركيب «لءلء» ، فـ : «لأآل» ثلاثيّ الأصول ، و «لؤلؤ» رباعيّ.
وأما الكثرة فأن يكون الحرف ، في موضع ما ، قد كثر وجوده زائدا ، فيما عرف له
__________________
(١) الرجز للرؤبة وهو بلا نسب في أساس البلاغة للزمخشري مادة (شقق).
والممتذق : المخلوط ، في لسان العرب لابن منظور ، مادة (مزق).
(٢) الأمصار : والأيصر ، حبل قصير يشد به في أسفل الخباء إلى الوتد ، الصحاح في اللغة للجوهري ، مادة (أصر).
(٣) اللأآل : بائع اللؤلؤ ، انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (لألأ).