في كلامهم كالحكاية عن تلك الأصوات ؛
وثانيها : أصوات صادرة عن فم الإنسان غير موضوعة وضعا ، بل دالة طبعا على معان في أنفسهم ، كأفّ ، وتفّ ، فان المتكّره لشيء يخرج من صدره صوتا شبيها بلفظ «أف» ومن يبزق على شيء مستكره يصدر منه صوت شبيه بلفظ «تف». وكذلك «آه» للمتوجع أو المتعجب ؛
فهذه وشبهها أصوات صادرة منهم طبعا ، كأحّ ، لذي السعال ؛ إلا أنهم لمّا ضمنوها كلامهم لاحتياجهم إليها ، نسقوها نسق كلامهم وحركوها بتحريكه ، وجعلوها لغات مختلفة ، كما مرّ من لغات : أفّ ، وأوّه ،
وثالثها : أصوات يصوّت بها للحيوانات عند طلب شيء منها : إمّا المجيء كألفاظ الدعاء ، نحو : جوت ، وقوس ، ونحوهما ، وإمّا الذهاب ، كهلا ، وهج ، ونحوهما ، وإمّا أمر آخر ، كسأ ، للشراب ، وهدع للتسكين ؛ (١)
وهذه الألفاظ ليست مما تخاطب به هذه الحيوانات العجم حتى يقال : إنها أوامر أو نواه ، كما ذهب إليه بعضهم ، لأنها لا تصلح لكونها مخاطبة لعدم فهمها للكلام ، كما قال الله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً)(٢) ، بل كان أصلها أن الشخص كان يقصد انقياد بعض الحيوانات لشيء من هذه الأفعال ، فيصوّت لها إمّا بصوت غير مركب من الحروف ، كالصفير للدابة عند إيرادها الماء ، وغير ذلك ، وإمّا بصوت معيّن مركب من حروف معيّنة ، لا معنى تحته ، ثم يحرضه ، مقارنا لذلك التصويت ، على ذلك الأمر إمّا بضربه وتأديبه ، وإمّا بإيناسه وإطعامه ، فكان الحيوان يمتثل المراد منه ، إمّا رهبة من الضرب ، أو رغبة في ذلك البرّ ، وكان يتكرر مقارنة ذلك التصويت لذلك الضرب أو البرّ ، إلى أن يكتفي الطالب بذلك الصوت عن الضرب أو البرّ ، لأنه كان يتصور الحيوان من ذلك الصوت ما يصحبه من الضرب أو ضده ، فيمتثل عقيب الصوت عادة
__________________
(١) سيأتي تفسير هذه الكلمات ؛
(٢) الآية ١٧١ من سورة البقرة ؛