ربّ من أنضجت غيظا قلبه |
|
قد تمنّى لي موتا لم يطع (١) ـ ٤٢٨ |
فيصح أن يقال : ما لقيت رجلا ، ولم تنضج صدر أحد ، وجواز التصديق والتكذيب دليل كونهما خبرين ؛
فالجواب : ان معنى الإنشاء في «كم» في الاستكثار ، وفي «ربّ» في الاستقلال ، (٢) ولا يقصد المتكلم أن للمعنيين خارجا ، بل هو الموجد لهما بكلامه ، بلى ، يقصد أن في الخارج قلة أو كثرة ، لا استكثارا ولا استقلالا فلا يصح أن يقال له : كذبت ، فإنك ما استكثرت اللقاء ، وما استقللت الإنضاج ، كما لو قال : ما أكثرهم ، صحّ أن يقال : ليسوا بكثيرين ، ولم يصح أن يقال : ما تعجبت من كثرتهم ؛ وليس كذلك نحو : ما قام زيد ، فإنه لا يفيد ، أنك تعدّ قيامه منفيا بهذا الكلام كما أفاد : كم رجل لقيته ، أنك تعد لقاءه كثيرا بهذا الكلام ، بل المعنى أنك تحكم بانتفائه في الخارج ؛
ويأتي تمام القول فيه ، في أفعال المدح والذم ، إن شاء الله تعالى ؛ وأمّا بناء «كذا» فلأنه في الأصل «ذا» المقصود به الإشارة ، دخل عليه كاف التشبيه ، وكان «ذا» مشارا به إلى عدد معيّن في ذهن المتكلم ، مبهم عند السامع ، ثم صار المجموع بمعنى «كم» ، وانمحى عن الجزأين معنى التشبيه ، والإشارة ، كما ذكرنا في : فاها لفيك ، وأيدي سبا ، فصار الكلمتان ككلمة واحدة ، ولذا نقول : إن كذا مالك ، يرفع «مالك» على أنه خبر «إنّ» ولا نقول إن اسم «ان» : الكاف الاسمية ، لأنها عند سيبويه لا تكون اسمية إلا للضرورة ، كما يجيئ في حروف الجر ، فيبقى ذا ، على أصل بنائه ؛ قوله : «كذا للعدد» ، وقد يكون لغير العدد ، أيضا ، نحو : قال فلان كذا ،
وأمّا «كأيّن» فهو كاف التشبيه دخلت على «أيّ» التي هي في غاية الإبهام إذا قطعت عن الإضافة ، فكأيّن ، مثل «كذا» في كون المجرورين مبهمين عند السامع إلا أنّ في «ذا» إشارة في الأصل إلى ما في ذهن المتكلم بخلاف «أيّ» فإنه للعدد المبهم ؛ والتمييز
__________________
(١) تقدم ذكره في باب الموصول من هذا الجزء ؛
(٢) يعني اعتبار الشيء قليلا وهو مقابل للاستكثار أي عدّ الشيء كثيرا ؛