من «كم» ، لأن بدل متضمّن الاستفهام ، يقترن بهمزة الاستفهام ، كما مر في باب البدل ؛ ولا يكون مميز الاستفهامية مجموعا ؛ كمميز المرتبة الوسطى ، خلافا للكوفيين ؛ وعلى ما أجاز السيرافي في العدد : أعشرون غلمانا لك ، إذا أردت طوائف من الغلمان ، ينبغي جواز : كم غلمانا لك بهذا المعنى ؛ وقال البصريون : لو جاء نحو : كم غلمانا لك ، فالمنصوب حال لا تمييز ، والتمييز محذوف ، أي : كم نفسا لك في حال كونهم غلمانا ، والعامل في الحال : الجار والمجرور ، فلا يجوز عندهم : كم غلمانا لك إلّا على مذهب الأخفش ، كما تقدم في باب الحال ؛
والجرّ في مميز الخبرية بإضافتها إليه ، خلافا للفراء ، فإنه عنده بمن مقدرة ، وهذا كما قال الخليل في : لاه أبوك (١) ، إنه مجرور بلام مقدرة ، وإنما جوّز الفراء عمل الجارّ المقدر ههنا ، وإن كان في غير هذا الموضع نادرا ، لكثرة دخول «من» على مميز الخبرية ، نحو : (وكم من مَلَك) (٢) ، و (كم من قرية) (٣) ، والشيء إذا عرف في موضع جاز تركه لقوة الدلالة عليه ، فإن فصل بين الخبرية ومميزها جاز جرّه عند الفراء ، لأنه يجره بمن المقدرة ، لا بالإضافة ، وغيره يوجب نصبه حملا على الاستفهامية ، إذ لا يمكن الإضافة مع الفصل ، إلا على مذهب يونس ، فإنه يجيز الفصل بينهما في السعة بالظرف وشبهه ، فيجيز في الاختيار نحو قوله :
٤٧٨ ـ كم بجود مقرف نال العلا |
|
وكريم بخله قد وضعه (٤) |
وقال الأندلسي : إن يونس يجيز الفصل ههنا بالظرف وشبهه ، إذا لم يكن مستقرا ؛ ولم ينقل غيره عدم الاستقرار عن يونس ههنا ، كما نقلوه كلهم في باب «لا» التبرئة ، نحو : لا أبا اليوم لك ،
__________________
(١) هو مثل قولهم لله درك ولله أبوك ؛
(٢) الآية ٢٦ سورة النجم ؛
(٣) الآية ٤ سورة الأعراف ؛
(٤) من أبيات نسبها صاحب الأغاني لأنس بن زنيم ، يخاطب عبيد الله بن زياد بن أبيه ، منها قوله :
لا يكن وعدك برقا خلّبا |
|
إن خير البرق ما الغيث معه |