وإنما بنيت هذه الظروف عند قطعها عن المضاف إليه لمشابهتها الحرف ، لاحتياجها إلى معنى ذلك المحذوف ؛
فإن قلت : فهذا الاحتياج حاصل لها مع وجود المضاف إليه ، فهلّا بنيت معه ، كالأسماء الموصولة : تبنى مع وجود ما تحتاج إليه من صلتها؟
قلت : لأن ظهور الإضافة فيها يرجح جانب اسميتها ، لاختصاصها بالأسماء ؛
أمّا «حيث» ، و «إذا» ، فإنها ، وإن كانت مضافة إلى الجمل الموجودة بعدها ، إلا أن إضافتها ليست بظاهرة ، إذ الإضافة في الحقيقة إلى مصادر تلك الجمل ، فكأن المضاف إليه محذوف ؛
ولمّا أبدل في كل ، وبعض ، التنوين من المضاف إليه ، لم يبنيا ، إذ المضاف إليه كأنه ثابت بثبوت بدله ،
وإنما اختاروا البناء في هذه الظروف دون التعويض ، لأنها قليلة التصرف ، أو عادمته ، على ما مرّ في المفعول فيه ؛ وعدم التصرف يناسب البناء ، إذ معناه ، أيضا ، عدم التصرف الإعرابي ، ويجوز ، أيضا ، في هذه الظروف ، لكن على قلة : أن يعوّض التنوين من المضاف إليه فتعرب ، قال :
٤٨٢ ـ ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة |
|
فما شربوا بعدا على لذة خمرا (١) |
وقال :
فساغ لي الشراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغصّ بالماء الحميم (٢) ـ ٦٨ |
__________________
(١) روي الأسد ، وأسد خفيّة ، على أنه جمع أسد ، والصواب ما أورده الشارح ، وأزد شنوءة إحدى قبائل اليمن ولم يذكر شيء عن نسبة هذا البيت إلا أنه جاء عن الفراء ، أنه لبعض بني عقيل ؛ وقال البغدادي ان رواية أسد خفية تحريف ، وخفية موضع تكثر فيه الأسود ، قال لأنه لا يتلاقى مع ما بعده من بقية البيت ، ، فأما : الأسد أسد شنوءة بفتح الهمزة وبالسين فيكون من إبدال الزاي سينا في الأزد ، وأزد شنوءة ؛
(٢) تقدم في الجزء الأول وفيه رواية : بالماء الفرات .. وقيل ان كلّا من الروايتين في شعر مستقل ؛