ولو كان بمعنى : قبل ذلك ، لكان محذوف المضاف إليه ، فوجب بناؤه على الضم ، ويجوز أن يكون «أول» ههنا ، بمعنى أوّل من عامك ، ويكون الظرف صفة لعام ، أي عام كائن في زمان أسبق من عامك ، جعل للزمان زمان ، توسعا ؛ ولا يبعد أن يقال إنه (١) جرّ صفة المرفوع على توهم الجرّ في الموصوف ، لأن ما بعد «مذ» قد يجرّ ، فيكون كقوله :
ولا ناعب إلا ببين غرابها (٢) ـ ٢٦٩
وقوله تعالى : (فأصدق وأكنْ من الصالحين)(٣) ، فعلى هذا يكون «أول» مجرورا ، لا منصوبا ، وتقول إذا لم تر زيدا يوما قبل أمس : ما رأيته مذ أول من أمس ، فإن لم تره يومين قبل أمس ، قلت : ما رأيته مذ أول من أول من أمس ، ولا يتجاوز ذلك ؛
وأمّا «آخر» فقد انمحى عنه معنى التفضيل بالكلية ، كما ذكرنا في باب ما لا ينصرف ، فلا يستعمل ، لا مع «من» ولا مع الإضافة ، بل يستعمل إمّا مجردا من اللام أو مع اللام ، ولمّا لم يكن معه «من» مقدرا مع المجرد طابق ما هو له تذكيرا وتأنيثا ، وإفرادا وتثنية وجمعا ،
وقد تجرّد «الدنيا» و «الجلىّ» عن اللام والإضافة ، إذا كانت الدنيا ، بمعنى العاجلة ، والجليّ بمعنى الخطة العظيمة ، قال :
٦٠٩ ـ في سعي دنيا طالما قد مدّت (٤)
وقال :
٦١٠ ـ وإن دعوت إلى جلّى ومكرمة |
|
يوما سراة كرام الناس فادعينا (٥) |
__________________
(١) أي المتكلم بالمثال موضع الحديث وهو مذ أول بفتح اللام لأنه ممنوع من الصرف
(٢) تقدم في الجزء الثاني ؛
(٣) الآية ١٠ سورة المنافقون ،
(٤) من أرجوزة للعجاج ، أولها :
الحمد لله الذي استقلّت |
|
بإذنه السماء واطمأنت |
وقبل الشاهد
يوم ترى النفوس ما أعدّت |
|
من نزل إذا الأمور غبّت |
(٥) ورد بنصه في شعر المرقش الأكبر ، وفي شعر بشامة بن حزن النهشلي ؛ وأول قصيدة المرقش :