فأوّل كأسبق معنى وتصريفا واستعمالا ، تقول في تصريفه : الأول ، الأوّلان الأولون الأوائل ، الأولى الأوليان الأوليات الأول ، وتقول في الاستعمال : زيد أوّل من غيره وهو الأول ؛
ولمّا لم يكن لفظ أوّل مشتقا من شيء مستعمل على القول الصحيح ؛ لا ممّا استعمل منه فعل كأحسن ، ولا مما استعمل منه اسم كأحنك ؛ خفي (١) فيه معنى الوصفية ، إذ هي إنما تظهر باعتبار المشتق منه واتصاف ذلك المشتق به ؛ كأعلم ، أي ذو علم أكثر من غيره ، وأحنك ، أي ذو حنك أشدّ من حنك غيره ؛ وإنما تظهر وصفية «أوّل» بسبب تأويله بالمشتق وهو «أسبق» فصار مثل : مررت برجل أسد ، أي جريء ، فلا جرم لم تعتبر وصفيته إلا مع ذكر الموصوف قبله ظاهرا ، نحو يوما أوّل ، أو ؛ ذكر «من» التفضيلية بعده ظاهرة ، إذ هي دليل على أن «أفعل» ، ليس اسما صريحا كأفكل وأيدع (٢) ؛ فإن خلا منهما معا ولم يكن مع اللام والإضافة ، دخل فيه التنوين مع الجر ، لخفاء وصفيته كما مر ، وذلك كقول علي رضي الله عنه : «أحمده أوّلا بادئا» (٣) ، ويقال : ما تركت له أولا ولا آخرا ؛ ويجوز حذف المضاف إليه من «أوّل» وبناؤه على الضم إذا كان مؤوّلا بظرف الزمان نحو قوله :
٦٠٨ ـ لعمرك ما أدري ، وإني لأوجل |
|
على أيّنا تغدو المنيّة أوّل (٤) |
أي : أوّل أوقات غدوّها ؛ ويقال : ما لقيته مذ عام أول برفع أول ، صفة لعام ، أي : عام أوّل من هذا العام ؛ وبعض العرب يقول : مذ عام أوّل بفتح أوّل ، وهو قليل ، حكى سيبويه (٥) عن الخليل أنهم جعلوه ظرفا كأنه قيل مذ عام قبل عامك ، وفي تأويل «أوّل» بقبل ، اشكال ، لأن أوّل الشيء : أسبق أجزائه ، فمعنى أوّل عامك : أسبق أجزائه إمّا من الليالي أو الأيام ، أو الأوقات ، ومعنى ، قبل عامك : الزمان الذي يتقدم جميع أجزائه ،
__________________
(١) جواب قوله : ولما لم يكن لفظ أول ،
(٢) الأفكل : الرعدة من برد ونحوه ، والأيدع من أسماء الزعفران ؛
(٣) في نهج البلاغة ص ٨٧ مطبعة دار الشعب ونصه .. وأوميه به أولا بادئا ؛
(٤) مطلع قصيدة جيدة من شعر معن بن أوس المزني ،
(٥) نقل ذلك سيبويه عن الخليل في الكتاب ؛ ج ٢ ص ٤٦