فلما كان فاء السببية بعد الطلب واقعا موقع المجزوم ، جاز جزم المعطوف عليه ، قال تعالى : (... فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)(١) ، وقال :
٦٨٩ ـ دعني فأذهب جانبا |
|
يوما وأكفك جانبا (٢) |
وهذا الذي يقال انه عطف على التوهم ، كما في قوله :
٦٩٠ ـ بدا لي أني لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (٣) |
جرّوا الثاني ، لأن الأول قد تدخله الباء ، وجزموا الثاني ، لأن الأول قد يكون مجزوما ؛
قوله : «وامتنع : لا تكفر تدخل النار خلافا للكسائي» ، يعني أنّ الكسائي يجوّز عند قيام القرينة أن يضمر المثبت بعد المنفي ، وعلى العكس ، فيجوّز : لا تكفر تدخل النار ، أي إن تكفر تدخل النار ، كما يجوّز : لا تكفر تدخل الجنة ، ويجوّز ، أيضا ، أسلم تدخل النار ، بمعنى : إن لا تسلم تدخل النار ؛
وقال غيره : بل يجب أن يكون المقدر مثل المظهر نفيا وإثباتا ، وأمّا قولهم في العرض : ألا تنزل تصب خيرا ، أي إن تنزل فلأن كلمة العرض : همزة الإنكار دخلت على حرف النفي ، فتفيد الاثبات ؛
وليس ما ذهب إليه الكسائي ببعيد ، لو ساعده نقل ؛
__________________
(١) الآية ١٠ سورة المنافقون ؛
(٢) وجه الشاهد فيه : عطف أكف بالجزم على جواب دعني ، المنصوب بعد الفاء على توهم أن الفاء سقطت فجزم ما بعدها ، وهذا البيت قال البغدادي أن صاحب المفصل نسبه إلى عمرو بن معديكرب ، قال وقد تصفحت ديوانه فلم أجده فيه ، ثم قال وغيري تصفحه فلم يجده أيضا ؛
(٣) هذا من قصيدة زهير بن أبي سلمى التي تقدم منها بعض الشواهد والتي أولها :
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى |
|
من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا |
وهو في سيبويه ج ١ ص ٨٣ ، وتكرر في عدة مواضع أخرى منه.