أو لم يطلب به الفعل ، بل كان إمّا على وجه الإباحة ، نحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا)(١) ، أو للتهديد نحو : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٢) ، أو غير ذلك من محامل هذه الصيغة (٣).
وإنما سمّى النحاة جميع ذلك أمرا ، لأن استعمال هذه الصيغة في طلب الفعل على وجه الاستعلاء ، وهو الأمر حقيقة : أغلب وأكثر ، وذلك كما سمّوا نحو : المائت والضائق : اسم فاعل ، لأن استعمال هذه الصيغة فيما هو فاعل حقيقة ، كالضارب والقاتل : أكثر ؛ وكذا الكلام في النهي ، فإن قولك : لا تؤاخذني في نحو : اللهمّ لا تؤاخذني بما فعلت : نهي في اصطلاح النحاة ، وإن كان دعاء في الحقيقة ؛
قوله : «من الفاعل المخاطب» ، ليخرج نحو : ليفعل زيد ، فإنه لا يدخل في مطلق الأمر ، بل يقال له أمر الغائب ، وكذا يخرج نحو : لأفعل أنا ، و : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ)(٤) ؛
فإن قيل : قولنا «الأمر» أعمّ من قولنا : أمر الغائب ، وكل ما يصدق عليه الأخص يصدق عليه الأعم ؛
قلت : لا نسلم أن لفظ الأمر في اصطلاح النحاة أعمّ من أمر الغائب ، إذ مرادهم بالأمر : الأمر المطلق ، وقولنا : المطلق قيد خصّصه من الأمر المضاف إلى شيء آخر ، وذلك كما يقول الفقهاء : إن الماء المطلق يصح سلبه عن المضاف ، إذ يصح أن يقال في ماء الباقلّاء : انه ليس بماء ، أي : ليس بماء مطلق ؛
قوله : «بحذف حرف المضارعة» ، يخرج نحو قوله :
لتقم أنت يا ابن خير قريش (٥) ... ـ ٦٦٧
وإن كان ذلك قليلا ، ومنه القراءة الشاذة : (٦) «فبذلك فلتفرحوا» (٧) بالتاء ،
__________________
(١) من الآية ٣١ سورة الأعراف ؛
(٢) من الآية ٤٠ سورة فصلت.
(٣) مثل الندب والتخيير والتهديد ، وغيرها مما ذكره الأصوليون ؛
(٤) من الآية ١٢ سورة العنكبوت ؛
(٥) تقدم هذا الشاهد في هذا الجزء ؛
(٦) ننسب إلى أنس ، وزيد وأبي بن كعب ؛
(٧) من الآية ٥٨ سورة يونس ، وتقدمت ؛