قوله : «بأحد حروف نأيت» ، ليس بيانا لوجه المضارعة ، بل بيانها هو قوله : لوقوعه مشتركا وتخصيصه بالسين ، والباء ، هنا (١) ، للسببية ، إذ زيادة هذه الحروف على أوّل الماضي مع تغيير بعض حركاته سبب محصّل لجهة مشابهة المضارع للاسم ، وتلك الجهة : وقوعه مشتركا ، كما ذكرنا ، فالباء فيه ، كما في قولك : بزيد صرت كقارون في الثروة.
قوله : «بأحد حروف نأيت» ، يخرج الماضي ، قوله : «لوقوعه مشتركا» ، بيان لوجه مشابهة المضارع لمطلق الاسم ، وأمّا مشابهته لاسم الفاعل خاصة فبالموازنة ، وصلاحيته للحال والاستقبال ، فلذلك عمل عمله كما تقدم.
قوله : «لوقوعه مشتركا» ، أي : هو حقيقة في الحال والاستقبال ، وقال بعضهم : هو حقيقة في الحال ، مجاز في الاستقبال ، وهو أقوى ، لأنه إذا خلا من القرائن ، لم يحمل إلا على الحال ، ولا يصرف إلى الاستقبال إلا لقرينة ، وهذا شأن الحقيقة والمجاز ، وأيضا ، من المناسب أن يكون للحال صيغة خاصة ، كما لأخويه (٢).
وقيل : هو حقيقة في الاستقبال ، مجاز في الحال ، لخفاء الحال ، حتى اختلف العلماء فيه ، فقال الحكماء (٣) : إن الحال ليس بزمان موجود ، بل هو فصل بين الزمانين ، ولو كان زمانا لكان التنصيف تثليثا.
وليس بشيء ، لأن الحال عند النحاة غير «الآن» المختلف في كونه زمانا ، بل هو ما على جنبتي (٤) الآن من الزمان ، مع الآن ، سواء كان الآن زمانا ، أيضا ، أو : الحدّ المشترك بين الزمانين ، ومن ثمّ تقول : إن «يصلّي» في قولك : زيد يصلي ، حال ،
__________________
(١) يعني في قوله : بأحد حروف نأيت.
(٢) يعني كما أن لكل من الماضي والمستقبل صيغة خاصة ، والصيغة الخاصة بالمستقبل اتفاقا هي صيغة فعل الأمر.
(٣) هذا من كلام الفلاسفة. وذلك مراده بقوله : الحكماء.
(٤) على جنبتي الآن أي حافتيه كما يعبر بعضهم والمراد بالآن وقت التكلم