وبعد كل فعل يطلب به العلم ، كفكّرت ، وامتحنت ، وبلوت ، وسألت ، واستفهمت ، وجميع أفعال الحواس الخمس ، كلمست ، وأبصرت ، ونظرت ، واستمعت ، وشممت ، وذقت ؛ تقول : فكرت : أزيد يأتيني أم عمرو ؛
وقد يضمر الدال على التفكر ، كقوله تعالى : (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ)(١) ، أي متفكرا ، أيمسكه أم يدسّه ، وفي نهج البلاغة : (٢) «يتخالسان أنفسهما : أيهما يسقي صاحبه كأس المنون» ، أي : متفكرين : أيهما يسقي ، ولم يسمع مثل ذلك في الظن الذي هو لترجيح أحد المجوّزين على الآخر ؛
وجوّز يونس (٣) ، تعليق جميع الأفعال ، نحو : ضربت أيّهم في الدار ، وقتلت أيّهم في البيت ، وقد مضى ذلك في باب الموصولات (٤) ؛
ويجوز في نحو : سألتك هل زيد قائم ، واستفهمت : أقام زيد ، أن ينوى بعده القول ، والجملة مفعول لذلك المنوي ، على ما هو مذهب البصريين ، أو يضمّن السؤال معنى القول ، فيلحق به في الحكاية بعده ، على ما هو مذهب الكوفيين ، كما يجيء بعد ، من مذهب الفريقين ؛
فنقول : الجملة بعد الفعل المعلّق في موضع النصب ، وهي : إمّا في موضع مفعول ينصب بنزع الخافض ، وذلك بعد كل فعل يفيد معنى الشك ، نحو : شككت أزيد في الدار أم عمرو ، أي : شككت في هذا الأمر ؛ أو في موضع مفعول تعدّى إليه الفعل بنفسه ، إمّا لاقتضاء الفعل إيّاه وضعا ، وإمّا لتضمن الفعل ما يقتضيه ؛ والأول : صريح العلم والمعرفة ، وهذا الفعل إمّا أن يطلب مفعولا واحدا ، نحو : عرفت هل زيد في الدار ،
__________________
(١) الآية ٥٩ سورة النحل ؛
(٢) ورد هذا في إحدى خطب سيدنا علي في نهج البلاغة طبع مطابع الشعب بالقاهرة ص ٧٢ ـ وهي في وصف المؤمنين وقتالهم مع أعدائهم ؛
(٣) يونس بن حبيب. شيخ سيبويه. وتقدم ذكره في الأجزاء السابقة ؛
(٤) أول الجزء الثالث ؛