فكأنه ، للمبالغة في القرب ، لاحق بالأفعال الدالة على الشروع فاستعمل خبره بغير أن ، نحو : هلهلت أقوم ؛
ولكون أفعال المقاربة ، أي كاد ، ومرادفاته ، وأفعال الشروع أي طفق ومرادفاته فروعا لكان ومحمولة عليها ؛ لم تقدّم أخبارها عليها كما كان يتقدم خبر كان عليه ؛
وإنما ألزم كون أخبار أفعال الشروع فعلا مضارعا مجردا عن أن ، دون الاسم والماضي والمضارع المقترن بأن ؛ لأن المضارع المجرّد عن علامات الاستقبال ظاهر في الحال ، كما مضى في بابه ؛ فهو من حيث الفعلية يدل على الحدوث دون الاسم ، بدليل أنك إذا قلت : كان زيد وقت الزوال قائما ، لم يدل على حدوث القيام في ذلك الوقت ، ومن حيث ظهوره في الحال ، يدل على كونه مشتغلا به ، دون الماضي ، بدليل أنك إذا قلت : كان زيد وقت الزوال قام ، دلّ على أنه كان فرغ من القيام في ذلك الوقت ، وإذا قلت : كان زيد وقت الزوال يقوم ، دلّ على اشتغاله بالقيام في ذلك الوقت مع حدوث القيام ، فلما حملت هذه الأفعال على كان ، وقصد المعنيان ، أي حدوث مصدر خبرها وكون فاعلها مشتغلا به ، وجب ألّا يكون اسما ، ولا ماضيا ، ولا مضارعا بأن ؛
وإنما غلب في أفعال المقاربة ، أعني كاد ومرادفاته ، كون أخبارها كذلك ، وجوّز اقترانها بأن ، لكونها من شدة القرب الذي فيها ، كأنها للانتقال والشروع أيضا ، فهي ليست متضمنة لمعنى كان ، مثل أفعال الشروع ، بل محمولة عليه من حيث الاستعمال فقط ، فجاز في بعضها : اقتران الخبر بأن ، كقوله :
٧٣٥ ـ قد كاد من طول البلى أن يمصحا (١)
ولم يجز ذلك في خبر فعل الاشتغال ؛
وأمّا التزامهم في خبر عسى كونه مضارعا بأن ، ومنعهم من أن يكون مصدرا ، نحو :
__________________
(١) من رجز نسبه بعضهم لرؤبة وأورد قبله : ربع عفا من بعد ما قد انمحى وقال البغدادي : لم أجده في ديوان رؤبة ؛