ويجوز أن يكون على التنازع ، فأوشك لمقاربة الفعل نحو كاد ؛ لكن يستعمل استعمال كاد ، أي مجرد الخبر من أن ، ويستعمل استعمال عسى ، على الوجهين المعلومين ؛
وإذا حذفت أن من أخبار هذه الأفعال الثلاثة ، فإمّا أن تقدر مع الحذف ، كما في : تسمع بالمعيديّ (١) ، وإمّا أن تحذف رأسا بلا تقدير ، لاستعمال كاد وكرب وأوشك ، لشدة دلالتها على مقاربة الفعل : استعمال كان ؛
ولاستعمال كاد مثل كان ، جاء في الضرورة ؛
فأبت إلى فهم ، وما كدت آيبا |
|
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر (٢) ـ ٦٢٢ |
ولهذا أضمر ضمير الشأن فيه في نحو : (كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(٣) ؛
واستعمل ، أيضا ، الأفعال التي للشروع في الفعل ، استعمال «كان» ، وهي طفق ، وأخذ ، وأنشأ ، وأقبل ، وقرّب ، وهبّ ، وعلق ، وجعل ؛ وكانت بذلك ، أولى من كاد ، وأخواتها ، لأن أخبارها حاصلة المضمون ، كأخبار كان ، بخلاف خبر كاد ؛
وكان أصل استعمالها ، أن يقال : طفق زيد في الفعل ، وأخذ في الفعل ، وجعل الفعل ، من قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(٤) ، أي أوجد ، وكذا أنشأ الفعل ، وأقبل على الفعل ، وقرّب الفعل ، وهبّ في الفعل ، من قولهم : هبّ البعير في سيره ، أي نشط فيه ؛ فاستعملت استعمال كان لتضمينها معناها ،
وأمّا هلهل ، فإنما لزم تجريد خبره من أن ، مع أنه بمعنى كاد ، لا بمعنى طفق ، لأن المبالغة في القرب فيه أكثر ، ومثل هذا التركيب يدل على المبالغة مثل زلزل ، وصرصر (٥) ،
__________________
(١) الفائدة من تقديرها تأويل الفعل بالمصدر. وتكرر ذكر هذا المثل وبيان ما فيه من روايات ؛
(٢) تقدم في الكلام على إعراب المضارع في أول هذا الجزء ؛
(٣) تقدمت قريبا. وهي الآية ١١٧ سورة التوبة.
(٤) الآية الأولى من سورة الأنعام ؛
(٥) يرى بعض العلماء أن أصل مضعف الرباعي كزلزل أنه مضعف الثلاثي فلما أريد تضعيفه : قيل زلّل. وكراهة توالى ثلاثة أمثال أبدلوا أحدها من جنس الفاء. ومن هنا تأتي المبالغة التي أشار إليها الشارح ؛