لأن نفي القرب من الفعل أبلغ في انتفاء ذلك الفعل من نفي الفعل نفسه ، فإن : ما قربت من الضرب ، آكد في نفي الضرب من : ما ضربت ، بلى ، قد يجيء مع قولك : ما كاد زيد يخرج ، قرينة تدل على ثبوت الخروج بعد انتفائه وبعد انتفاء القرب منه ، فتكون تلك القرينة دالة على ثبوت مضمون خبر كاد في وقت ، بعد وقت انتفائه وانتفاء القرب منه ؛ لا لفظ كاد (١) ؛
ولا تنافي بين انتفاء الشيء في وقت ، وثبوته في وقت آخر ، وإنما التناقض بين ثبوت الشيء وانقفائه في وقت واحد ، فلا يكون ، إذن ، نفي كان مفيدا لثبوت مضمون خبره ، بل المفيد لثبوته تلك القرينة ، فإن حصلت قرينة هكذا ، قلنا بثبوت مضمون خبر كاد ، بعد انتفائه ، كما في قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(٢) ، أي : ما كادوا يذبحون قبل ذبحهم وما قربوا منه ؛ إشارة إلى ما سبق قبل ذلك من تعنتهم في قولهم : «أَتَتَّخِذُنا هُزُواً .... ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ * ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ، .. ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ..» ، وهذا التعنت دأب من لا يفعل ولا يقارب الفعل أيضا ؛
وإن لم يثبت قرينة هكذا ، كقولك : مات زيد وما كاد يسافر ، قلنا بقي مضمون خبر كاد على انتفائه وعلى انتفاء القرب منه ، كما في قوله تعالى : (لَمْ يَكَدْ يَراها)(٣) ، وقوله :
٧٣٦ ـ إذا غيّر النأي المحبين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح (٤) |
إذ ليس في هذه المواضع ما يدل على حصوله بعد انتفائه ، ومثل هذه القرينة هي الشبهة لمن قال ان نفي كاد إثبات ، فقال بعضهم إنه للإثبات ، في الماضي كان ، كقوله تعالى «وَما
__________________
(١) يعني أن هذا المعنى مستفاد من القرينة ، لا من لفظ كاد ؛
(٢) هذا الجزء ، وما سيذكره الشارح من الآيات ٦٧ إلى ٧١ في سورة البقرة ؛
(٣) من الآية ٤٠ سورة النور ؛
(٤) قد أورده المصنف في المتن وهو من قصيدة لذي الرمة أولها :
أمنزلتي ميّ سلام عليكما |
|
على النأي ، والنائي يود وينصح |