فلا يمكن التوصل بمصادرها إلى التعجب منها ، ولا إلى بيان التفضيل فيها ، إذ لا مصدر منفيا لنحو : نبس ، أو مصوغا (١) للمفعول لنحو جنّ ، وكذا لا مصدر لنعم وبئس ، ويذر ويدع ؛ حتى يوقع (٢) شيئا منها بعد ما أشدّ ، وأشدّ منك ؛
وربما استغنوا عن بعض ما يصح التعجب منه ، بمثل التوصّل المذكور كما لم يقل : ما أقيله ، استغناء بما أكثر قائلته (٣) ؛
قوله : «ولا يتصرف فيهما بتقديم ولا تأخير» ، كل واحد من التقديم والتأخير يستلزم الآخر ، لأنك إذا قدّمت شيئا على شيء ، فقد أخّرت المقدم عليه عن المقدم ، يريد أنك لا تقول : زيدا ما أحسن ، ولا : ما زيدا أحسن ، ولا بزيد أحسن ، لما ذكرنا من الوجهين في عدم تصرفهما في أنفسهما ؛ وأمّا الفصل بين الفعلين ، والمتعجب منه ، فإن لم يتعلق الفصل بهما ، فلا يجوز اتفاقا ، للفصل بين المعمول وعامله الضعيف بالأجنبي ، فلا يجوز : لقيته فما أحسن أمس زيدا ، على أن يتعلق «أمس» بلقيت ؛ وكذا ان تعلّق بهما وكان غير ظرف ، نحو : ما أحسن قائما زيدا ، وذلك لأنه نوع تصرف في علم التعجب (٤) ؛ وإن كان بين الفعل والفضلة ؛ وأمّا بالظرف فمنعه الأخفش (٥) والمبرد ، وأجازه الفرّاء والجرمي ، وأبو علي ، والمازني ، نحو : ما أحسن بالرجل أن يصدق وأحسن اليوم بزيد ؛ وأجاز ابن كيسان توسيط الاعتراض بلو لا الامتناعية ، نحو : ما أحسن ، لو لا كلفه (٦) ، زيدا ؛
ويفصل بكان ، وحدها ، بين «ما» وأفعل ، وهي مزيدة على ما ذكرنا في باب
__________________
(١) أي ولا مصدر مصوغا للمفعول من نحو جنّ ؛
(٢) أي يؤتى بمصدر هذه الأفعال بعد ما أشدّ أو أشدد ؛ وقوله حتى يوقع بالبناء للمعلوم أي يوقع المتكلم شيئا منها ؛
(٣) القائلة بمعنى القيلولة وهي النوم ظهرا ؛
(٤) أي في اللفظ المختص بالتعجب كاختصاص العلم بمسماه ؛
(٥) سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط ؛
(٦) الكلف بفتحتين : بقع تظهر في الوجه مغايرة للونه الأصلي فتعيبه بعض العيب ؛