ودليل فعليتهما (١) أيضا ، ما حكاه الكسائي من نحو : نعما رجلين ، ونعموا رجالا والضمائر المرفوعة البارزة من خواص الأفعال ، وأيضا ، جواز استعمال جميع باب فعل مع فعليّته ، استعمال نعم وبئس ، يقوّي فعليتهما أيضا (٢) ،
ثم نقول : إنهما بعد ذلك ، وهو كونهما فعلين مستقلين بفاعليهما كلاما صارا مع فاعليهما بتقدير المفرد ، كصفة متقدمة على موصوفها ، كما في قوله :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها |
|
ركبان مكة بين الغيل فالسند (٣) ـ ٣٣٧ |
وجرد قطيفة ، فصار معنى نعم الرجل : رجل في غاية الجودة ، فكأنه كان أصل نعم الرجل : رجل نعم ، أي جيّد ؛ فصارا معا (٤) جزء جملة بعد ما كانا جملة مستقلة ؛ ولهذا نظائر ، نحو قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٥) ، وظننت زيدا قائما ، على ما مرّ في باب ظننت ، ونحو : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ)(٦) ، فإن الجمل في هذه الصّور ، منسلخة عن معنى الجمليّة بدليل كون مضمون الأولى مبتدأ ، على ما قيل (٧) ، وكون مضمون الثانية مفعولا ، ومضمون الثالثة فاعلا (٨) ، ومضمون الرابعة مضافا إليه ؛
ومبنى كلامهم أن الجمل إذا كانت بمعنى المفرد ، فإن كانت علما فهي محكية مطلقا ، وإن لم تكن ، فإن كانت فعلية تركت على حالها ، كما مرّ في باب علمت ، قال تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ)(٩) ، أي : بدا لهم سجنهم إياه ؛
__________________
(١) رجوع إلى الحديث عن نعم وبئس بعد هذا الاستطراد ؛
(٢) لا حاجة لذكر كلمة أيضا فقد بدأ بها الحديث ؛
(٣) من معلقة النابغة الذبياني وتقدم ذكره في باب النعت في الجزء الثاني ؛
(٤) يعني نعم والمرفوع بعدها ؛ على الوجه الذي رآه الرضي ؛
(٥) الآية ٦ في سورة البقرة. ومثلها في سورة يس. الآية ١٠ وسواء عليهم ...
(٦) الآية ١٠٩ سورة المائدة ؛
(٧) ناقش الرضي إعراب النحاة لمثل هذا التركيب في باب حروف العطف ؛
(٨) ليس في النسخة المطبوعة ما يرجع إليه هذا. وفي بعض النسخ التمثيل بنحو : كان زيد منطلقا ؛ فيكون هو المقصود بأن مضمون الجزأين فاعل ؛
(٩) من الآية ٣٥ في سورة يوسف ؛