كالإيماء إلى ذلك المذهب ، ولعل اختيار الفراء لهذا ، حتى يسلم من الاعتراضات الواردة على مذهب البصريين ، وهو أن ارتفاعه بوقوعه موقع الاسم ، سواء وقع موقع اسم مرفوع ، كما في : زيد يضرب ، أي : ضارب ، أو مجرور أو منصوب ، نحو : مررت برجل يضرب ، ورأيت رجلا يضرب.
وإنما ارتفع بوقوعه موقع الاسم ، لأنه يكون ، إذن ، كالاسم ، فأعطي أسبق إعراب الاسم وأقواه وهو الرفع.
وتلك الاعتراضات (١) مثل أن يرتفع في مواضع لا يقع فيها الاسم ، كما في الصلة ، نحو : الذي يضرب ، وفي نحو : سيقوم وسوف يقوم ، وفي خبر «كاد» نحو : كاد زيد يقوم ، وفي نحو : يقوم الزيدان.
ويمكن الجواب عن نحو : الذي يضرب ، ونحو : يقوم الزيدان ، بأن يقال :
هو واقع موقعه ، لأنك تقول : الذي ضارب هو ، على أن «ضارب» خبر مبتدأ مقدم عليه ، وكذا : قائمان الزيدان ، ويكفينا وقوعه موقع الاسم ، وإن كان الإعراب مع تقديره اسما ، غير الإعراب مع تقديره فعلا ؛ وعن نحو : سيقوم ، بأن سيقوم ، مع السين ، واقع موقع «قائم» ، لا «يقوم» (٢) وحده ، والسين صار كأحد أجزاء الكلمة.
وعن نحو : كاد زيد يقوم ، بأنّ أصله صلاحية وقوعه موقع الاسم كما في قوله :
٦٢٢ ـ فأبت إلى فهم وما كدت آيبا |
|
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر (٣) |
__________________
(١) أي التي وجهت إلى رأي البصريين.
(٢) أي أنه ليس قائما مقام «يقوم» وحده.
(٣) الآيب : اسم فاعل من آب يؤوب ، والقياس أن يقال آئب بابدال عين اسم الفاعل همزة ، ولكن استعمل هكذا بالياء ، تخفيفا لاجتماع الهمزتين وبينهما ألف ، والبيت من قطعة لثابت بن جابر «تأبط شرا» قالها وقد تخلص بحيلة من جماعة حاولوا أسره وأول هذه الأبيات :
إذا المرء لم يحتل وقد جدّ جدّه |
|
أضاع وقاسى أمره وهو مدبر |
ومن هذا الشعر : الشاهد الذي تقدم في باب المثنى في الجزء الثالث وهو قوله :
هما خطتا إما إسار ومنّة |
|
وإمّا دم والقتل بالحر أجدر |