وإنما عدل عن ذلك الأصل ، لما يجيء في بابه (١).
وقال الكسائي : عامل الرفع فيه حروف المضارعة ، لأنها دخلت في أول الكلمة فحدث الرفع بحدوثها ، إذ أصل المضارع إمّا الماضي وإمّا المصدر ، ولم يكن فيهما هذا الرفع ، بل حدث مع حدوث هذه الحروف ، فإحالته عليها ، أولى من إحالته على المعنوي الخفي ، كما هو مذهب البصريين والفراء ، وإنما عزلها عامل النصب والجزم لضعفها وصيرورتها كجزء الكلمة ، فيعزلها الطارئ المنفصل.
ويتعيّن المضارع للحالية ب : «الآن» و : «آنفا» ، وما في معناهما من الظروف الدالة على الحال ؛ وبلام الابتداء عند الكوفيين ، كما مرّ (٢).
وقال بعضهم : يتعيّن له بنفيه بليس نحو : ليس زيد يقوم وب : «ما» ، نحو : ما يقوم زيد ، أو : ما زيد يقوم ، وب : «إن» نحو : إن يقوم زيد ، عند المبرد ؛ وقال أبو علي : (٣) «إن» لمطلق النفي ، و «ما» لنفي الحال ، وقد مضى الكلام على «ما» في بابها ، وسيجيء الكلام على ليس في بابه.
ويتخلّص للاستقبال بظرف مستقبل ، نحو : أضرب غدا ونحوه ، وبإسناده إلى متوقع ، كتقوم القيامة ، وباقتضائه طلب الفعل ، وذلك في الأمر والنهي والدعاء والتحضيض والتمني والترجي ، والإشفاق ، لأنّ طلب الحاصل محال ، وبكونه وعدا ، كقولك ، واعدا : أكرمك وأحسن إليك ، وبنوني التأكيد ، ولام القسم ، إذ الثلاثة توكيد ، وهو إنما يليق بما لم يحصل ، نحو : والله لأضرب ، على ضعف (٤) ، ولأضربنّ.
وأما الحاصل في الحال فإنه ، وإن كان محتملا للتأكيد ، وذلك بأن تخبر المخاطب أن الحاصل في الحال متصف بالتأكيد ، لكن لما كان موجودا ، وأمكن للمخاطب في
__________________
(١) في باب أفعال المقاربة في هذا الجزء.
(٢) في أول هذا الجزء ،
(٣) هو أبو علي الفارسي شيخ ابن جني وتكرر ذكره في هذا الشرح.
(٤) وجه ضعفه أن جواب القسم في مثل ذلك واجب التوكيد عند الجمهور.