قوله : «والتي تقع بعد العلم مخففة من الثقيلة» ، اعلم أنّ «أنّ» الثقيلة يصح وقوعها في كل موضع تكون فيه مع اسمها وخبرها في موضع المفرد ، سواء كان معمول الفعل ، أو ، لا ، نحو : عندي أنك قائم ، ولو لا أنك قائم ، وسواء كان معمول فعل التحقيق نحو : عرفت أنك خارج وعلمت أنك داخل ، أو معمول فعل الشك نحو : شككت في أنك مسلم ؛ وقال سيبويه (١) : انه يضعف أن يقال : أرجو ، أو أطمع ، أو أخشى ، أو أخاف أنك تفعل ؛ وقال جار الله (٢) : ان الفعل الذي يدخل على أنّ المفتوحة ، مشدّدة كانت أو مخففة يجب أن يشاكلها في التحقيق ، وفيه نظر ، لقوله :
٦٢٣ ـ وددت وما تغني الودادة أنني |
|
بما في ضمير الحاجبيّة عالم (٣) |
وفي نهج البلاغة : «وددت أن أخي فلانا كان حاضرا (٤)» ، وكذا في تعليل المصنف للمنع من ذلك بقوله (٥) : لو قلت : أتمنى أنك تقوم ، لكان كالمتضاد ، قال : لأن التمني يدل على توقع القيام ، و «أنّ» تدل على ثبوت خبرها وتحققه ، وذلك (٦) لأنا لا نسلم أنّ «أنّ» دال على ثبوت خبره وتحققه ، بل على أن خبره مبالغ فيه مؤكد ، فيصح أن يثبت هذا المؤكد نحو قولك : تحقق أنك قائم ، وأن ينفى نحو قولك : لم يثبت أن زيدا قائم ، وأنا شاكّ في أنه قائم ، ولو كان بين معنى التمني ومعنى «أنّ» تنافيا ، أو كالتنافي لم يجز : ليت أنك قائم.
رجعنا إلى المقصود فنقول :
__________________
(١) ج ١ ص ٤٨٢.
(٢) جار الله الزمخشري ممن تكرر ذكرهم في الأجزاء السابقة.
(٣) هذا من شعر كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة ، وهي المرادة بقوله : الحاجبيّة ، نسبها إلى أحد أجدادها : حاجب بن غفار.
(٤) مثله كثير في نهج البلاغة ومن ذلك قوله رضي الله عنه في أهل الكوفة : لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، الخ.
(٥) كلام المصنف هذا ربّما كان في شرحه هو على الكافية ، أو في شرحه على المفصل للزمخشري.
(٦) بيان لوجه النظر الذي أورده على كلام الزمخشري والمصنف.