إذا خفّفت «أنّ» المشددة ، تقاصرت خطاها ، فلا تقع مجرورة الموضع كالمشددة ، لا تقول : عجبت من أن ستخرج ولا تقع إلا بعد فعل التحقيق ، كالعلم وما يؤدي معناه ، كالتبيّن ، والتيقن والانكشاف ، والظهور ، والنظر الفكري ، والإيحاء ، والنداء ، ونحو ذلك ، أو بعد فعل الظن ، بتأويل أن يكون ظنا غالبا متأخّيا (١) للعلم ، فلا تقول : أعجبني أن ستخرج ولا : وددت أن ستخرج ، أو : رجوت أن ستخرج ، كما تقول ذلك في المثقلة ، وذلك أنها بعد التخفيف شابهت ، لفظا ومعنى : «أن» المصدرية ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلكونهما حرفي المصدر ، فأريد الفرق بينهما ، فألزم قبل المخففة فعل التحقيق أو ما يؤدي مؤدّاه أو ما يجري مجراه من الظن الغالب ، ليكون مؤذنا من أول الأمر أنها مخففة ، لأنّ التحقيق بأن المخففة التي فائدتها التحقيق : أنسب وأولى ، فلهذا لم يجئ بعد فعل التحقيق الصّرف : أن المصدرية ، وأمّا بعد فعل الظن وما يؤدي معنى العلم ، فتجيء المصدرية والمشددة ، والمخففة ، ولم يقنعوا بهذا ، لأن الأولوية لا تفيد الوجوب ، فنظروا : فإن دخلت المخففة على الاسمية ، كقوله :
٦٢٤ ـ في فتية كسيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كل من يحفى وينتعل (٢) |
أو الفعلية الشرطية كقوله تعالى : «.. أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ (٣) ..» و : (وأن لو استقاموا ..) (٤). لم يحتاجوا (٥) إلى فرق آخر ، إذ المصدرية تلزم الفعلية المؤوّلة معها بالمصدر ، فلا يحتمل أن تدخل على الاسمية والشرطية ؛ وإن دخلت على الفعلية الصّرفة ، فإن كان ذلك الفعل غير متصرف كقوله تعالى : (أم لم يُنبأ) (٦) أي : لم يعلم ، إلى قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ) ،
__________________
(١) يقال تأخّيت فلانا أي اتخذته أخا. والمراد هنا أن يكون الظن لقوته كأنه أخو العلم.
(٢) هذا أحد أبيات القصيدة اللامية للأعشى ميمون بن قيس ، والتي يعدها بعضهم احدى المعلقات. ومنها شواهد أخرى في هذا الشرح. والبيت في سيبويه ج ١ ص ٢٨٢.
(٣) من الآية ١٤٠ سورة النساء.
(٤) الآية ١٦ سورة الجن.
(٥) جواب قوله : فان دخلت المخففة على الاسمية.
(٦) الآيات من ٣٦ إلى ٣٩ في سورة النجم.