وقوله : (أولم ينظروا ..) (١) أي يتفكروا ، إلى قوله : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ، لم يحتاجوا ، أيضا ، إلى فرق آخر ، لأنّ «أن» المصدرية لا تدخل على الأفعال غير المتصرفة ، لأنها تكون مع الفعل بعدها بتأويل المصدر ، ولا مصدر لغير المتصرف.
وإن كان ذلك الفعل متصرفا ، وجب أن تفصل المخففة من الفعل ، إمّا بالسين ، نحو : (عَلِم أن سيكون) (٢) ، أو سوف يكون ، أو «قد» نحو : (ليعلم أن قد أبلغوا ..) (٣) أو بحرف نفي نحو : علمت أن لم يقم ، ولن يقوم ، ولا يقوم ، وما قام ، وما يقوم ؛ وذلك لأنّ «أن» المصدرية ، لا يفصل بينها وبين الفعل بشيء من الحروف المذكورة لكونها مع الفعل بتأويل المصدر معنى ، وعاملة في المضارع لفظا فلا يفصل بينها وبين الفعل ، وكذا لا يفصل بين «لو» و «كي» المصدريتين والفعل كما يجيء ، بلى ، قد تفصل «لا» بين المصدرية والفعل ، لأنها ، لكثرة دورانها في الكلام تدخل في مواضع لا تدخلها أخواتها ، نحو قولك : جئت بلا مال ؛
فإذا اتفق وقوع «لا» بعد المخففة ، فإن كانت المخففة بعد العلم ، لم تلتبس بالمصدرية لما قدّمنا : أنّ المصدرية لا تقع بعد فعل العلم ، وإن كانت بعد الظن ، جاز أن تكون مخففة ومصدرية ، كما في قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(٤) ، قرئ بالرفع والنصب (٥) ، فالرفع على أن الحسبان ظن غالب ؛ فلا التباس بينهما على هذا ، إلا في مثل هذا الموضع ، ويسمّي النحاة الحروف التي بعد «أن» المخففة : حروف التعويض ، لأنها كالعوض من إحدى نوني أنّ.
وكما جاز أن يؤوّل الظن ، بالظن الغالب القريب من العلم فتقع بعده المخففة ،
__________________
(١) الآية ١٨٥ سورة الأعراف.
(٢) من الآية ٣٠ سورة المزمل.
(٣) الآية ٢٨ سورة الجن.
(٤) الآية ٧١ سورة المائدة.
(٥) الرفع قراءة أبي عمرو ، وحمرة والكسائي ، والنصب قراءة باقي السبعة.