وكذلك نون الوقاية ؛ إن قلنا : إنها لحفظ فتحتها ، فقط ، كما تحفظ سكون «من» ، و «عن» ، فهي من جهات المشابهة ، وإن قلنا : هي لأجل المشابهة ، فلا ؛
فلما شابهت الأفعال المتعدية معنى ، لطلبها الجزأين مثلها ، وشابهت مطلق الأفعال لفظا بما ذكرنا (١) ، كانت مشابهتها للأفعال أقوى من مشابهة «ما» الحجازية ، فجعل عملها أقوى ، بأن قدّم منصوبها على مرفوعها ؛ وذلك لأن عمل الفعل الطبيعي أن يرفع ثم ينصب ، فعكسه عمل غير طبيعي ، فهو تصرّف في العمل ؛
وقيل : قدّم المنصوب على المرفوع قصدا إلى الفرق بينها وبين الأفعال التي هي أصلها من أوّل الأمر ، أو تنبيها بجعل عملها فرعيا على كونها فروعا للفعل ؛ وهاتان العلتان ثابتتان في «ما» الحجازية ، ولم يقدّم منصوبها على مرفوعها ؛ فالعلة هي الأولى ؛
ومشابهتها معنى لمطلق الفعل ، من حيث إن : في : «إنّ ، وأنّ» معنى حقّقت وأكدت ، وفي «كأن» معنى : شبهت ؛
قال الزجاج : هي للتشبيه إذا كان خبرها جامدا ، نحو : كأنّ زيدا أسد ؛ وللشكّ ، إذا كان صفة مشتقة ، نحو : كأنك قائم ، لأن الخبر هو الاسم ، والشيء لا يشبّه بنفسه ؛
والأولى أن يقال : هي للتشبيه أيضا ، والمعنى : كأنك شخص قائم ، حتى يتغاير الاسم والخبر حقيقة ، فيصح تشبيه أحدهما بالآخر ؛ إلّا أنه لما حذف الموصوف ، وأقيم الوصف مقامه ، وجعل الاسم بسبب التشبيه كأنه الخبر بعينه ، صار الضمير في الخبر يعود إلى الاسم لا إلى الموصوف المقدر ، فلهذا تقول : كأني أمشي ، وكأنك تمشي ، والأصل : كأني رجل يمشي ، وكأنك رجل يمشي ؛
وقيل : هي للتحقيق في نحو : كأنّك بالدنيا لم تكن ، وكأنك بالآخرة لم تزل ، وكأنك بالليل قد أقبل ؛
__________________
(١) وهو قوله من حيث كونها على ثلاثة أحرف .. الخ ؛