وأبو علي (١) يعتقد في مثله : زيادة الاسم وحرف الجر ، حتى تبقى «كأنّ» ، للتشبيه ، أي : كأنّ الدنيا لم تكن ؛
والأولى أن نقول ببقاء «كأن» على معنى التشبيه ، وألّا نحكم بزيادة شيء ، ونقول : التقدير : كأنك تبصر بالدنيا ، أي تشاهدها ، من قوله تعالى : (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ)(٢) ، والجملة بعد المجرور بالباء : حال ، أي : كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة ؛ ألا ترى إلى قولهم : كأني بالليل وقد أقبل ، وكأني بزيد وهو ملك ، والباء لا تدخل الجمل إلا إذا كانت أخبارا لهذه الحروف ؛
وفي «لكنّ» معنى استدركت ، ومعنى الاستدراك : رفع توهم يتولّد من الكلام السابق ، رفعا شبيها بالاستثناء ، ومن ثمّ قدّر الاستثناء المنقطع بلكنّ ؛ فإذا قلت : جاءني زيد ، فكأنه توهّم أن عمرا جاءك لما بينهما من الألفة ، فرفعت ذلك التوهم بقولك : لكن عمرا لم يجئ ؛
وفي «ليت» معنى تمنيت ، وفي «لعلّ» معنى ترجّيت ، وماهية التمني غير ماهية الترجّي ، لا أنّ الفرق بينهما من جهة واحدة ، وهي استعمال التمني في الممكن والمحال ، واختصاص الترجي بالممكن ؛ وذلك لأن ماهية التمني : محبّة حصول الشيء ، سواء كنت تنتظره وترتقب حصوله أو ، لا ، والترجّي : ارتقاب شيء لا وثوق بحصوله ؛ فمن ثمّ ، لا يقال : لعلّ الشمس تغرب ، فيدخل في الارتقاب : الطمع والإشفاق فالطمع : ارتقاب شيء محبوب ، نحو : لعلك تعطينا ، والإشفاق : ارتقاب المكروه ، نحو : لعلك تموت الساعة ؛
وقد اضطرب كلامهم في «لعلّ» الواقعة في كلامه تعالى ، لاستحالة ترقب غير الموثوق بحصوله ، عليه ، تعالى ؛
__________________
(١) أي الفارسي وتكرر ذكره ؛
(٢) من الآية ١١ في سورة القصص ؛