جرم انك قائم ، فمن فتح ، فللنظر إلى أصل : لا جرم ، كما تقول : لا بدّ أن تفعل كذا ، ولا محالة أنك تفعل كذا ، أي من أن تفعل ، ومن أنك تفعل ، ومن كسر ، فللمعنى العارض في لا جرم (١) ؛
وحكى الكوفيون فيها عن العرب وجوها من التغيير : لا جر ، بإسقاط الميم ، و :
لا ذا جرم ، بزيادة «ذا» ، و : لا ذا جر ، بغير ميم ، و : لا أن ذا جرم ، و : لا عن ذا جرم ، وأن : زائدة ، وعين «عن» بدل من الهمزة كما في قوله :
٨٣٥ ـ أعن ترسّمت من خرقاء منزلة |
|
ماء الصبابة من عينيك مسجوم (٢) |
وتقول : شدّ ما أنك ذاهب ، وعزّ ما أنك قائم ، بالفتح ، فشدّ ، وعزّ ، فعلان مكفوفان بما ، كقلّما ، وطالما ؛ وهما بمعنى «حقا» ، فمعنى شدّ ما أنك قائم : حقا أنك قائم ، أي : في حق ، الّا أن «في» لا تدخل على : شدّ ، وعزّ ، لكونهما في الأصل فعلين ، ويجوز أن يكون «ما» اسما معرفة تامّة ، كما هو مذهب سيبويه (٣) في : نعمّا صنيعك ، وبئسما عملك ، أي : نعم الصنيع صنيعك ، وبئس العمل عملك ، وقد ذكرنا أن جميع باب فعل مضموم العين ، يجوز استعماله استعمال نعم وبئس ؛
وتقول : زيد فاسق ، كما أنّ عمرا صالح ، ليس «ما» ههنا كافة ، كما كانت في قولك : زيد صديقي ، كما عمرو أخي ، ولو كانت كافة ، لوجب كسر «انّ» ، ولا يجوز إلا الفتح ؛
فقال الخليل : «ما» زائدة ، و «أنّ» مجرور بالكاف ، ودليل زيادتها قولهم : هذا حق مثل ما أنك ههنا ؛ لكنهم ألزموا الكاف مع أنّ ، هذه الزيادة ، كراهة أن يجيء لفظها مثل «كأنّ» ؛
__________________
(١) المراد : ما عرض لها من استعمالها استعمال القسم ؛
(٢) مطلع قصيدة لذي الرمة ، وخرقاء ، لقب كان يطلقه على ميّ التي يذكرها في قصائده ؛ ومسجوم أي منسكب ؛ والمراد بماء الصبابة : الدمع ؛
(٣) وهو أن «ما» معرفة تامة ، وتقدم ذلك في باب أفعال المدح والذم ؛