عمّا يغلطون فيه ، في هذه القضية ان قالوا ذلك ، وحقق وقال : «أو هو أقرب» ، أي بل هو أقرب ؛
وقالوا : انّ ل : أو ، إذا كان في الخبر ثلاثة معان : الشك ، والإبهام ، والتفصيل ، وإذا كان في الأمر ، فله معنيان : التخيير والإباحة ؛
فالشك : إذا أخبرت عن أحد الشيئين ولا تعرفه بعينه ، والابهام إذا عرفته وتقصد أن تبهم الأمر على المخاطب ؛ فإذا قلت : جاءني زيد أو عمرو ، ولم تعرف الجائي منهما ، فأو ، للشك ، وإذا عرفته وقصدت الإبهام على السامع ، فهو للإبهام ، كقول لبيد :
٨٨٢ ـ تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما |
|
وهل أنا الّا من ربيعة أو مضر (١) |
والظاهر (٢) : أنه كان يعرف أنه من أيّهما ، وقال الله تعالى : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً)(٣) ؛
والتفصيل : إذا لم تشك ، ولم تقصد الإبهام على السامع ، كقولك : هذا إمّا أن يكون جوهرا أو عرضا ، إذا قصدت الاستدلال على أنه جوهر لا عرض أو على أنه عرض لا جوهر ، أو على أنه لا هذا ولا ذاك ؛
وأمّا في الأمر ، فإن حصل للمأمور بالجمع بين الأمرين فضيلة وشرف ، في الغالب ، فهي للإباحة ، نحو : تعلّم الفقه أو النحو ، وجالس الحسن أو ابن سيرين ، وإلّا فهي للتخيير ، نحو : اضرب زيدا أو عمرا ؛
والفرق بينهما أن الإباحة يجوز فيها الجمع بين الفعلين والاقتصار على أحدهما ، وفي التخيير يتحتم أحدهما ، ولا يجوز الجمع ؛
__________________
(١) قوله : تمنّى : أصله تتمنى بتاءين ، وليس فعلا ماضيا ، ومن أبيات لبيد هذه قوله :
إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
(٢) يريد أن يقول انه من الواضح أن لبيدا يعرف أنه من أيّ القبيلتين ؛
(٣) الآية ٢٤ سورة يونس ؛