راجعة إلى معنى ذلك النفي أو النهي ، مؤكدة لمعناهما ، وما بعد «بل» باق على الخلاف المذكور ، بين المبرد والجمهور ؛
ولا تجيء «بل» المفردة (١) ، العاطفة للمفرد ، بعد الاستفهام ، لأنها لتدارك الغلط الحاصل من الجزم بحصول مضمون الكلام أو طلب تحصيله ولا جزم في الاستفهام ، لا بحصول شيء ، ولا بتحصيله ، حتى يقع الغلط فيتدارك ؛
وكذا قيل : إنها لا تجيء بعد التحضيض والتمني والترجّي والعرض ؛ والأولى أنه يجوز استعمالها بعد ما يستفاد منه معنى الأمر والنهي ، كالتحضيض والعرض ؛
وأمّا «بل» التي تليها الجمل ، ففائدتها الانتقال من جملة إلى أخرى ، أهمّ من الأولى ، وقد تجيء للغلط (٢) ، والأولى تجيء بعد الاستفهام أيضا كقوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ)(٣) ، إلى قوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) والتي لتدارك الغلط نحو : ضربت زيدا ، بل أكرمته ، وخرج زيد ، بل دخل خالد ؛ وقد تشترك الجملتان في جزء ، وقد لا (٤) تشتركان ؛
وأما لكن فشرطها مغايرة ما قبلها لما بعدها ، نفيا وإثباتا ، من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ ، كما مرّ في المثقّلة ؛ فإذا عطفت بها المفرد ، ولا يكون في ذلك المفرد معنى النفي ، لأن حروف النفي إنما تدخل الجمل ، وجب أن يكون «لكن» بعد النفي ، لتغاير ما بعدها لما قبلها ، نحو : ما جاءني زيد لكن عمرو ؛ وقد مرّ معنى الاستدراك في المشدّدة ، فعدم مجيء زيد ، باق على حاله ، لم يكن الحكم به منك غلطا ، وإنما جئت بلكن ، دفعا لتوهم المخاطب أن عمرا ، أيضا ، لم يجئ كزيد ، فهي في عطف المفرد نقيضة «لا» لأنها للإثبات للثاني بعد النفي عن الأول ، و «لا» للنفي عن الثاني بعد الاثبات للأول ؛
__________________
(١) أي التي ليس معها «لا» ؛
(٢) أي لتدارك الغلط في الكلام الذي قبلها ؛
(٣) الآيتان ١٦٥ ، ١٦٦ ، سورة الشعراء ؛
(٤) الفصل بين قد والفعل بلا ، أسلوب لا تقره القواعد ؛