قوله : «أن يكون قبلها أمر» إذا كان الأمر صريحا نحو : ائتني فأشكرك ، فلا كلام في صحته ، وأمّا إذا لم يكن صريحا ، وذلك بأن يكون مدلولا عليه بالخبر ، نحو : اتقى الله امرؤ .. وفعل خيرا فيثاب عليه ، و : حسبك الكلام فينام الناس ، أو اسم فعل ، نحو : نزال فأقاتلك ، وعليك زيدا فأكرمك ، أو يكون الأمر مقدّرا نحو : الأسد الأسد فتنجو ، فالكسائي يجري جميع ذلك مجرى صريح الأمر ، وقد وافقه ابن جني (١) في نحو : نزال ، بناء على أنه مطرد كالأمر ، على ما هو مذهب سيبويه (٢).
وأمّا النصب في قراءة أبي عمرو (٣) : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٤) ، فلتشبيهه بجواب الأمر من حيث مجيئه بعد الأمر ، وليس بجواب له من حيث المعنى ، إذ لا معنى لقولك : قلت لزيد اضرب فيضرب أي : اضرب يا زيد فانك إن تضرب يضرب ، أي يضرب زيد.
وأمّا النهي فنحو : لا تشتمني فتندم ، والنفي : ما تأتينا فتكرمنا ، وهو : إمّا صريح ، كما ذكرنا ، أو مؤوّل نحو : قلّما تلقاني فتكرمني ، وكذا : قلّ رجل ، أو : أقلّ رجل ، لأن هذه الكلمات تستعمل بمعنى النفي الصّرف (٥) ، وتستعمل في اللفظ استعماله أيضا.
وأمّا ما يفيد معنى النفي ، لكن لا يجري في استعمالهم مجراه فلا ينصب جوابه ، كقولك : أنت غير أمير فتضربني ، وكذا التقليل بقد ، في المضارع ، لا يقال : قد تجيئني فتكرمني.
وقد جوّز قوم نصب جواب كل ما تضمن النفي أو القلّة ، قياسا لا سماعا ؛ وقد
__________________
(١) أبو الفتح عثمان بن جني ، ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ؛
(٢) يرى سيبويه أن صوغ اسم الفعل على وزن فعال مثل نزال وتراك قياسي من كل فعل ثلاثي تام متصرف انظر سيبويه ج ٢ ص ٤١.
(٣) المراد : أبو عمرو بن العلاء ، أحد زعماء النحو المتقدمين وأحد القراء السبعة ، وتكرر ذكره.
(٤) من الآية ١١٧ سورة البقرة ؛
(٥) أي النفي الخالص وإن كان وضعها من حيث اللفظ يدل على التقليل ؛