أو تجرّده (١) من العوامل ، إلى السكون ، وذلك لأن عامل الرفع في المضارع مقدم على عاملي النصب والجزم ، إذ عامل الرفع هو التجرد عنهما ، أو الحاصل عند التجرد عنهما ، وهو وقوعه موقع الاسم ، فيكون الجازم طارئا على الرافع ؛
قلنا : ليس زوال الرفع أثر الجازم ، ومنسوبا إليه ، بل هو منسوب إلى زوال عامل الرفع ، أي الوقوع ، أو التجرد ؛ على ما قيل : إن علة العدم عدم العلة ؛
فإن قيل : فيكون زوال الرفع أثرا لزوال عامل الرفع ، وزوال عامل الرفع أثر للجازم ، وأثر الأثر أثر ، فزوال الرفع أي الانجزام أثر للجازم ؛
قلنا : زوال عامل الرفع قد يكون أثرا للناصب أيضا ، فيلزم أن يكون الناصب جازما ؛
وأقصى ما يمكن في تمشية كلام النحاة (٢) ، أن يقال : إن الناصب يزيل الرفع إلى بدل وهو النصب ، والجازم يزيله لا إلى بدل ، فلم يسموا الناصب جازما ، لأن تعريفه بأثره الوجودي ، أولى من تعريفه بأثره العدميّ ، ولما لم يكن للجازم أثر وجودي ، عرّفوه بالعدمي ، فسمّي جازما ، إلا أنه لا يلزم ، على هذا أن يكون الناصب في نحو : لن يضربا ، ولن يضربوا ، ولن تضربي : جازما لإزالة أثر الرفع لا إلى بدل ؛
ولو اخترنا مذهب الكسائي (٣) ، وهو أن ارتفاع المضارع بحروف المضارعة فيكون الجازم الطارئ مسقطا للرفع الثابت بثبوت عامله ومانعا له بعد ذلك من إيجاد الرفع ، فينسب زوال الرفع إلى الجازم ، لا إلى زوال الرافع لأن عامل الرفع ثابت مع الجازم فكيف ينسب زوال الرفع إلى زوال عامله ؛ لم يرد (٤) الاعتراض المذكور.
__________________
(١) شارة إلى أحد الأقول في علة رفع المضارع.
(٢) أي في تفسيره تفسير مستقيما لا يرد عليه شيء من الاعتراضات.
(٣) زعيم نحاة الكوفة. وأحد القرّاء السبعة وهو ممن نقل عنهم الرضي كثيرا في هذا الشرح ، وتقدم ذكره كثيرا في الأجزاء السابقة. وهذه أول مرة يرد ذكره في هذا الجزء.
(٤) جواب قوله : ولو اخترنا مذهب الكسائي.