فإن قال القائل : ألست تقول : أمرتُ زيداً فضرب عمراً ، والمعنى : أنك أمرتَه أن يَضْرب عَمْراً فضَربه.
فهذا اللّفظ لا يَدُل على غير الضَّرْب.
ومثل قوله تعالى : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) [الإسراء : ١٦] من الكلام : أَمرتُك فعَصَيْتني ، فقد عُلم أنّ المَعْصِية مخالفة الأمر ، وذلك الفِسْق مُخالفة أمْر الله.
قال : وقد قيل : إنّ معنى (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) : كَثّرنا مُتْرفيها.
قال : والدَّليل على هذا قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «خَيْرُ المالِ سِكّة مَأْبُورة أو مُهْرة مَأْمورة» ، أي مُكَثّرة.
والعربُ تقول : أَمِر بنو فلانٌ ، أي كَثُروا ؛ وقال لَبِيد :
إنْ يَنْبِطوا يَهْبِطوا وإن أَمِرُوا |
يوماً يَصِيروا للهُلْك والنَّكَدِ |
وقال أبو عُبَيد : في قوله مُهرة مأمورة : إنها الكثيرة النِّتاج والنَّسْل.
قال : وفيها لغتان : يقال : أَمرها الله ، فهي مَأمورة ، وآمَرها الله فهي مُؤْمَرة.
وقال غيره : إنما هو مُهرة مَأمورة للازدواج ، لأنهم أتْبعَوها «مأبورة» فلما ازْدوج اللّفْظان جاءوا ب «مأمورة» على وزن مأبورة ، كما قالت العرب : إنِّي آتِية بالغَدايا والعَشايا ، وإنما يُجمع الغداة ، غَدوات ، فجاءوا ب «الغدايا» على لفظ العشايا تَزْويجاً للفظين ، ولها نظائر.
وقال أبو زيد : في قوله : مُهرة مأمورة : هي التي كَثُر نَسْلُها.
يقولون : أمر اللهُ المهْرةَ ، أي كَثّر وَلَدها.
وقال الأصمعي : أَمَر الرَّجُل إمَارةً ، إذا صار عليهم أَمِيراً.
وأَمَّر أَمَارةً ، إذا صَيَّرَ عَلَماً.
ويقال : ما لك في الإمْرة والإمارة خَيْرٌ ، بالكسر.
وأُمِّر فلانٌ ، إذا صُيِّر أَمِيراً.
وآمرت فلاناً ، ووامَرتُه ، إذا شاوَرته.
والأَمارُ : الوقتُ والعَلامة ؛ قال العجّاج :
* إلى أَمارٍ وأَمارٍ مُدَّتي*
قال : والإمَّر : ولدُ الضَّأن الصَّغير.
والإمَّرة : الأُنثى.
والعرب تقول للرجل إذا وَصَفوه بالإعدام : ما له إمَّرٌ ولا إمَّرة.
والإمّر أيضاً : الرَّجُلُ الضَّعيف الذي لا عَقل له إلا ما أَمرته به لحُمقه ؛ وقال امرؤ القَيس :
وليس بذي رَيثةٍ إمَّرٍ |
إذا قيد مسْتكرهاً أَصحَبَا |
أبو عُبيد ، عن الفراء : تقول العرب : في وَجْه المال تَعْرف أَمرتَه ، أي زيادته ونماءَه.
يقول : في إقبال الأمر تَعرف صَلَاحه.