قال أبو إسحاق : معناه : هل ينظرون إلّا ما يَؤول إليه أمرهم مِن البَعث.
قيل : وهذا التَّأويل هو قوله جلّ وعزّ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧] ، أي : لا يعلم متى يكون أَمر البعث وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) [آل عمران : ٧] ، أي : آمنّا بالبَعث. والله أعلم.
قلت : وهذا الذي قاله حَسن.
وقال غيره : أعلم الله جلّ ثناؤه أنّ في الكتاب الذي أَنزله (آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) لا تَشابه فيه ، فهو مفهوم معلوم ، وأنزل آياتٍ أُخَر متشابهات تكلَّم فيها العلماء مُجتهدين ، وهم يعلمون أن اليقين الذي هو الصواب لا يَعلمه إلا الله ، وذلك مثل المُشكلات التي اختلف المتأولون في تأويلها وتكلَّم فيها من تكلَّم ، على ما أدّاه الاجتهاد إليه.
وإلى هذا مال أبو بكر بن الأنباريّ.
وأخبرني المُنذري ، عن أبي الهيثم ، يقال : إنما طعام فلان القَفْعاء والتَّأْويل.
قال : والتأويل : نَبْت يَعْتلفه الحِمار ، والقَفْعاء : شجرة لها شَوْك. ويُضرب هذا للرّجُل إذا اسْتَبْلد فَهْمُه. وشُبِّه بالحمار في ضَعف عَقله.
وقال أبو سعيد : العرب تقول : أنت في ضَحائك بين القَفْعاء والتَّأْويل. وهما نَبْتان مَحمودان من مَراعي البَهائم ، فإذا أَرادوا أن يَنْسبوا الرَّجُلَ إلى أنّه بَهيمة ، إلا أنه مُخصب مُوسَّع عليه ، ضَربوا له هذا المثل.
وأَنشد غيره لأبي وَجْزة :
عَزْب المراتع نَظّارٌ أَطاع له |
مِن كُلّ رابيةٍ مَكْرٌ وتَأْوِيلُ |
ورأيت في تفسيره أَنّ «التأويل» : اسم بقَلة يُولع بها بَقر الوحش تَنْبُت في الرَّمْل.
قلت : المَكْر والقَفْعاء ، معروفان ، قد رأيتهما في البادية ، وأما «التأويل» فما سَمِعته إلّا في شعر أبي وَجْزة هذا ، وقد رَعاه.
وقال أبو عُبيد في قول الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) [آل عمران : ٧].
التأويل : المَرجع والمَصير ، مأخوذ من : آل يَؤُول إلى كذا ، أي صار إليه.
وأوّلته : صَيَّرته إليه.
وكان أبو عُبيد يُنشد بيتَ الأَعشى :
على أنّها كانت تَأَوّل حُبّها |
تأوّل رِبْعِيّ السِّقاب فأَصْحَبَا (١) |
يعني : أنّ حبها كان صغيراً فآل إلى العِظَم ، مثل السَّقْب يكون صغيراً ثم يَشُب
__________________
(١) تقدم هذا البيت في ص (٢٩٤) باختلاف في لفظه.