ولغة ثالثة : قالوا : لانَ جئت بالحق.
قال : والآن : منصوبة النون ، في جميع الحالات ، وإن كان قبلها حرف خافض ، كقولك : مِن الآنَ.
وذكر ابن الأنباري «الآن» فقال : وانتصاب «الآن» بالمُضمر ، وعلامةُ النصب فيه فتحُ النون ، وأصله : «الأوان» فأُسْقطت الألف التي بعد الواو ، وجعلت الواو ألفاً ، لانفتاح ما قَبلها.
قال : وقيل : أصله : آن لك أن تفعل ، فسمّى الوقت بالفِعل الماضي ، وترك آخره على الفَتْح.
قال : ويقال على هذا الجواب : أنا لا أكلمك من الآنَ يا هذا ، وعلى الجواب الأول : من الآن ؛ وأنشد لأبي صخر :
كأنّهما مِلآنِ لم يَتغيَّرا |
وقد مَرَّ للدارَيْن من بعدنا عَصْر |
وقال ابن شُميل : هذا أوان الآنَ تَعلم ، وما جئت إلا أوانَ الآنَ ، أي : ما جئت إلا الآنَ ، بَنصب «الآن» فيهما.
وسأل رجلٌ ابن عمر عن عُثمان ، قال : أَنْشدك الله هل تعلم أنّه فَرَّ يوم أُحد ، وغاب عن بَدْر وعن بَيعة الرّضوان ؛ فقال ابن عمر : أمّا فرَاره يوم أُحد فإن الله عزوجل يقول : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) [آل عمران : ١٥٥] ، وأمّا غَيبته عن بَدر ، فإنه كانت عنده بِنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت مريضةً ، وذكر عُذْره في ذلك ثم قال : اذهب بهذه تلآن مَعك.
قال أبو عُبيد : قال الأُموي : قوله «تلآن» يريد : الآن ، وهي لغة معروفة ، يَزيدون التّاء في «الآن» ، وفي «حين» ، ويحذفون الهمزة الأولى ، فيقال : «تَلأن» ، و «تِحين».
قال : وأنْشد لأبي وَجْزة :
العاطفُون تَحينَ ما من عاطِفٍ |
والمُطْعمون زَمان ما مِن مُطْعِمِ |
وقال آخر :
* وصَلّينا كما زَعَمت تَلَانا*
قال : وكان الكسائي والأحمر وغيرهما يَذْهبون إلى أن الرِّواية : العاطفونه ، فيقولون : جعل الهاء صلة ، وهو في وسط الكلام ، وهذا ليس يُوجد إلَّا على السَّكْت.
قال : فحدّثت به الأُمويّ فأَنْكره.
قال أبو عُبيد : وهو عندي على ما قال الأُمويّ ، ولا حُجّة لمن احتج بالكتاب في قوله : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] لأن التاء مُنْفصلة من «حين» ، لأنهم كتبوا مثلها منفصلاً أيضاً ممّا لا ينبغي أن يفصل كقوله : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ) [الكهف : ٤٩] والّلام مُنْفصلة من «هذا».
قلت : والنَّحْويون على أن التاء في قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ) [ص : ٣] في الأصل