وثالثها ـ قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) [الروم : ٢٢] والألسنة اللّحمانية غير مرادة لعدم اختلافها ، ولأن بدائع الصّنغ في غيرها أكثر فالمراد هي اللغات.
ورابعها ـ وهو عقليّ ـ لو كانت اللغات اصطلاحية لاحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة ويعود إليه الكلام ويلزم إما الدّور أو التسلسل في الأوضاع وهو محال فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.
واحتجّ القائلون بالاصطلاح بوجهين :
أحدهما ـ لو كانت اللغات توقيفية لتقدّمت واسطة البعثة على التوقيف والتقدّم باطل ، وبيان الملازمة أنها إذا كانت توقيفية فلا بدّ من واسطة بين الله والبشر وهو النبيّ ؛ لاستحالة خطاب الله تعالى مع كلّ أحد وبيان بطلان التّقدّم قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : ٤] وهذا يقتضي تقدّم اللغة على البعثة.
والثاني ـ لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلق الله تعالى علما ضروريّا في العاقل أنّه وضع الألفاظ لكذا أو في غير العاقل أو بألّا يخلق علما ضروريا أصلا.
والأول باطل ، وإلّا لكان العاقل عالما بالله بالضرورة ؛ لأنه إذا كان عالما بالضرورة بكون الله وضع كذا لكذا كان علمه بالله ضروريّا ، ولو كان كذلك لبطل التكليف.
والثاني باطل ؛ لأن غير العاقل لا يمكنه إنهاء تمام هذه الألفاظ.
والثالث باطل ؛ لأن العلم بها إذا لم يكن ضروريا احتيج إلى توقيف آخر ولزم التسلسل.
والجواب عن الأولى من حجج أصحاب التوقيف : لم لا يجوز أن يكون المراد من تعليم الأسماء الإلهام إلى وضعها؟
ولا يقال : التعليم إيجاد العلم فإنا لا نسلّم ذلك بل التعليم فعل يترتب عليه العلم ولأجله يقال : علّمته فلم يتعلّم.