باب الاستثناء المنقطع من الأول
إلا في تأويل (لكن) إذا كان الاستثناء منقطعا عند البصريين.
ومعنى سوى عند الكوفيين والاختيار فيه النصب في كل وجه (١).
وربما ارتفع ما قبل إلا وهي لغة بني تميم وإنما ضارعت إلا (لكن) ؛ لأن (لكن) للإستدراك بعد النفي فأنت توجب بها للثاني ما نفيت عن الأول فمن هاهنا تشابها تقول : ما قام أحد إلا زيد فزيد قد قام ويفرق بينهما : أنّ لكن لا يجوز أن تدخل بعد واجب إلا لترك قصة إلى قصة تامة نحو قولك : جاءني عبد الله لكن زيد لم يجيء ولو قلت : مررت بعبد الله لكن عمرو لم يجز وليس منهاج الاستثناء المنقطع منهاج الاستثناء الصحيح ؛ لأن الاستثناء الصحيح إنما هو أن يقع جمع يوهم أن كل جنسه داخل فيه ويكون واحد منه أو أكثر من ذلك لم يدخل فيما دخل فيه السائر بمستثنيه منه ليعرف أنه لم يدخل فيهم نحو : جاءني القوم إلا زيدا ، فإن قال : ما جاءني زيد إلا عمرا فلا يجوز إلا على معنى لكن.
واعلم أن إلا في كل موضع على معناها في الاستثناء وأنها لا بد من أن تخرج بعضا من كل فإذا كان الاستثناء منقطعا فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يستثنى منه فتفقد هذا فإنه يدقّ فمن ذلك قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] فالعاصم الفاعل من رحم ليس بعاصم ولكنه دلّ على العصمة والنجاة.
__________________
(١) إن كان الاستثناء منقطعا تعين النصب عند جمهور العرب فتقول ما قام القوم إلا حمارا ولا يجوز الاتباع وأجازه بنو تميم فتقول ما قام القوم إلا حمار وما ضربت القوم إلا حمارا وما مررت بالقوم إلا حمار.
وهذا هو المراد بقوله وانصب ما انقطع أي انصب الاستثناء المنقطع إذا وقع بعد نفي أو شبهه عند غير بني تميم وأما بنو تميم فيجيزون إتباعه.
فمعنى البيتين أن الذي استثني بإلا ينتصب إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه وقد نبه على هذا التقييد بذكره حكم النفي بعد ذلك وإطلاق كلامه يدل على أنه ينتصب سواء كان متصلا أو منقطعا.
وإن كان غير موجب وهو الذي فيه نفي أو شبه نفي انتخب أي اختير إتباع ما اتصل ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع. انظر شرح ابن عقيل ٢ / ٢١٥.