قال : فأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى : (من) ولكنهم حذفوا هاهنا تخفيفا على اللسان.
وصارت (على) عوضا منها أما (كم) التي تكون خبرا فهي في الكثير نظيره رب في التقليل إلا أن كم : التي اسم ورب : حرف وهي في الخبر بمنزلة اسم لعدد غير منون نحو : مئتي درهم فهي مضافة ، وذلك قولك : كم غلام لك قد ذهب جعلوها في الاستفهام بمنزلة : عشرين وفي الخبر بمنزلة : ثلاثة تجر ما بعدها ولا تعمل (كم) في الخبر إلّا فيما تعمل فيه (رب) في اسم نكرة لا يجوز أن تدخل فيه الألف واللام كما فعلت ذلك في مئة الدرهم وما أشبهها ولا تعمل إلا في نكرة نصبت أو خفضت فتقول : كم رجل قد لقيت وكم درهم قد أعطيت.
وإن شئت قلت : كم رجال قد لقيت وكم غلمان قد وهبت فيجوز الجمع إذا كانت خبرا ولا يجوز إذا كانت استفهاما أن تفسر بجميع.
وتقول العرب : كم رجل أفضل منك تجعله خبر (كم) وحكى ذلك : يونس عن أبي عمرو وكم تفسر ما وقعت عليه من العدد بالواحد المنكور كما قلت : عشرون درهما أو بجمع منكور نحو : ثلاثة أثواب.
وهذا جائز في التي تقع في الخبر ، فأما التي في الاستفهام فلا يجوز فيها إلا ما جاز في العشرين وناس من العرب يعملونها في الخبر كعملها في الاستفهام فينصبون كأنهم يقدرون التنوين ومعناها منونة وغير منونة سواء.
وبعض العرب ينشد :
كم عمة لك يا جرير وخالة |
|
فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (١) |
__________________
(١) هذا من أمثلة المنصوب على الذّم والشّتم وما أشبههما : تقول : " أتاني زيد الفاسق الخبيث" لم يرد إلّا شتمة بذلك ، وقرأ عاصم قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) بنصب حمّالة على الذم ، والقراءات الأخرى برفع حمّالة على الخبر لامرأته ، وقال عروة الصّعاليك العبسي :
سقوني الخمر ثمّ تكنّفوني |
|
عداة الله من كذب وزور |
وقال النابغة :