بعضهم بعضا إذا جعلت الناس فاعلين كأنك قلت عجبت من أن دفع الناس بعضهم بعضا ، فإن جعلت الناس مفعولين قلت : عجبت من دفع الناس بعضهم ببعض ؛ لأن المعنى : عجبت من أن دفع الناس بعضهم ببعض وتقول : سمعت وقع أنيابه بعضها فوق بعض جرى على قولك : وقعت أنيابه بعضها فوق بعض فأنيابه هنا فاعلة وتقول : عجبت من إيقاع أنيابه بعضها فوق بعض جرا فأنيابه هنا مفعولة قامت مقام الفاعل ولو قلت : أوقعت أنيابه بعضها فوق بعض لقلت : عجبت من إيقاعي أنيابه بعضها فوق بعض فنصبت أنيابه وتقول : رأيت متاعك بعضه فوق بعض إذا جعلت (فوق) في موضع الاسم المبني على المبتدأ وجعلت المبتدأ بعضه كأنك قلت : رأيت متاعك بعضه أجود من بعض ، فإن جعلت (فوق) وأجودها حالا نصبت (بعضه) ، وإن شئت قلت : رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض فتنصب (أحسن) على أنه مفعول ثان وبعضه منصوب بأنه بدل من متاعك.
قال سيبويه : والرفع في هذا أعرف والنصب عربي جيد فما جاء في الرفع : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠].
ومما جاء في النصب : (خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها) قال : حدثنا يونس أن العرب تنشد هذا البيت لعبدة بن الطبيب :
فما كان قيس هلكه هلك واحد |
|
ولكّنه بنيان قوم تهدّما (١) |
__________________
(١) قال السيرافي : النصب في هذه الأبيات على البدل جيد ، ولو رفع على الابتداء لكان أكثر وأعرف ، فيقول : هلكه هلك واحد ، وما ألفيتني حلمي مضاع ، وتكون الجملة في موضع الحال ، وتؤخذ كرها ، أو تجيء طائعا على معنى أنت تؤخذ كرها ؛ فيكون أنت تؤخذ في موضع الحال. انتهى.
وهذا كقوله : الطويل
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
|
تجد خير نار عندها خير موقد |
رفع تعشو بين المجزومين ، أعني الشرط والجزاء لأنه قصد به الحال ، أي : متى تأته عاشيا ، أي : ناظرا إلى ضوء ناره. وكذلك كل ما وقع بين مجزومين. وعليه قراءة : يرثني ويرث من آل يعقوب بالرفع ، لم يجعله جوابا ، وإنما جعله وصفا ، أي : وارثا من يعقوب. فتدبره فإنه كثير. كذا في أبيات المعاني لابن السيد.