فصار تأويل الخبر ليس : بآتيك الأمور ولا قاصر بعضها فجعل : بعض الأمور أمورا وكذلك احتج لقول النابغة في الجر فقال : يجوز أن تجر وتحمله على الرد ؛ لأنه من الخيل يعني في قوله : أن تردها ؛ لأن (أن تردها) في موضع ردها كما قال ذو الرمة :
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت |
|
أعاليها مرّ الرّياح النّواسم |
كأنه قال : تسفهتها الرياح فهذا بناء الكلام على الخيل ، وذلك ردّ إلى الأمور وقال : كأنه قال : ليس بآتيك منهيها وليست بمعروفة ردها حين كان من الخيل والخيل مؤنثة فأنث وهذا مثل قوله : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ١١٢] أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى هذا مثله في أنه تكلم به مذكرا ثم أنث كما جمع وهو في قوله : ليس بآتيتك منهيها كأنه قال : ليس بآتيتك الأمور وفي ليس بمعروف ردها وكأنه قال : ليست بمعروفة خيلنا صحاصا قال : وإن شئت نصبت فقلت : ولا مستنكرا ولا قاصرا.
قال أبو العباس : قال الأخفش : وليس هذان البيتان على ما زعم سيبويه يعني في الجر ؛ لأنه يجوز عند العطف وأن يكون الثاني من سبب الأول وأنكر ذلك سيبويه ؛ لأنه عطف على عاملين على السين والباء فزعم أبو الحسن : أنها غلط منه وأن العطف على عاملين جائز نحو قول الله عز وجل في قراءة بعض الناس : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ)(١) فجر الآيات
__________________
(١) سورة الجاثية : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.)
قرأ حمزة ، والكسائي : (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ ،) (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) بالخفض فيهما.
وقرأ الباقون بالرفع فيهما ، قوله : (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ) جاز الرفع فيها من وجهين :
أحدهما : العطف على موضع (إن) وما عملت فيه ، فيحمل الرفع على الموضع ، فتقول : إن زيدا قائم وعمرا وعمرو ، فتعطف ب (عمرو) على (زيد) إذا نصبت ، وإذا رفعت فعلى موضع (إن) مع (زيد).
والوجه الآخر : أن يكون مستأنفا على معنى : وفي خلقكم آيات ، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة ، قال سيبويه : (آيات) رفع بالابتداء. ـ ووجه قراءة حمزة ، والكسائي في قوله : (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ ،) (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) فعلى أنه لم يحمل على موضع (إن) كما حمل الرفع في الموضعين ، ولكن حمل على لفظ (إن) دون موضعها ، فحمل (آيات) في الموضعين على نصب (إن) في قوله : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) وإنما كسرت التاء ؛ لأنها غير أصلية [حجة القراءات ١ / ٦٥٩].