والمبتدأ يبتدأ فيه بالاسم المحدث عنه قبل الحديث وكذلك حكم كل مخبر والفرق بينه وبين الفاعل : أن الفاعل مبتدأ بالحديث قبله ألا ترى أنك إذا قلت : زيد منطلق فإنما بدأت (بزيد) وهو الذي حدثت عنه بالإنطلاق والحديث عنه بعده ، وإذا قلت : ينطلق زيد فقد بدأ بالحديث وهو انطلاقه ثم ذكرت زيدا المحدث عنه بالإنطلاق بعد أن ذكرت الحديث.
فالفاعل مضارع للمبتدا من أجل أنهما جميعا محدث عنهما وإنهما جملتان لا يستغني بعضهما عن بعض وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة فأما المعرفة فنحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم ، وأما ما قارب المعرفة من النكرات (١) فنحو قولك : رجل من تميم جاءني وخير منك لقيني. وصاحب لزيد جاءني.
وإنما امتنع الابتداء بالنكرة المفردة المحضة ؛ لأنه لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به ألا ترى أنك لو قلت : رجل قائم أو رجل عالم لم يكن في هذا الكلام فائدة ؛ لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائما أو عالما فإذا قلت : رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة ولا يكون المبتدأ نكرة مفردة إلا في النفي خاصة ، فإن الابتداء فيه بالنكرة حسن بحصول الفائدة بها كقولك : ما أحد في الدار وما في البيت رجل ونحو ذلك في لغة بني تميم خاصة : وما أحد حاضر وإنما يراعى في هذا الباب وغيره الفائدة فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام جائز وما لم يفد فلا معنى له في كلام غيرهم.
__________________
(١) الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة وقد يكون نكرة لكن بشرط أن تفيد وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة
أحدها أن يتقدم الخبر عليها وهو ظرف أو جار ومجرور نحو في الدار رجل وعند زيد نمرة ، فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز نحو قائم رجل
الثاني أن يتقدم على النكرة استفهام نحو هل فتى فيكم الثالث أن يتقدم عليها نفي نحو ما خل لنا الرابع أن توصف نحو رجل من الكرام عندنا
الخامس أن تكون عاملة نحو رغبة في الخير خير
السادس أن تكون مضافة نحو عمل بر يزين. انظر شرح ابن عقيل ١ / ٢١٨.