أبي حفصة ، حتى إنّه ربما كان يُنتقد على تشديده الوطء والنكير المحتدم على فظائع القوم ـ أعداء آل الله ـ بلهجةٍ حادّةٍ ، وسبابٍ مُقذعٍ ، غير أنّ ذلك كلّه كان نفثة مصدور ، وأنّة متوجّع من الظلم الواقع على ساداته أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، لا ولعاً منه في البذاء أو وقيعةً في الأعراض لمحض الشهوة ومتابعة الهوى ، ولذلك وقع شعره مقبولاً عند مواليه ـ صلوات الله عليهم ـ وكانوا إذا مرّوا باللغو منه مرّوا كراماً.
حدّث (١) سيّدنا الأجلّ زين الدين عليّ بن عبد الحميد النيلي النجفي (٢)) في كتابه الدرّ النضيد في تعازي الإمام الشهيد : أنّه كان في زمان ابن الحجّاج رجلان صالحان يزدريان بشعره كثيراً ، وهما : محمد بن قارون السيبي وعليّ بن زرزور السورائي ، فرأى الأوّل منهما ليلة في الواقعة كأ نّه أتى إلى روضة الحسين عليهالسلام وكانت فاطمة الزهراء عليهاالسلام حاضرة هناك ، مسندةً ظهرها إلى ركن الباب الذي هو على يسار الداخل ، وسائر الأئمّة إلى مولانا الصادق عليهالسلام أيضاً جلوسٌ فى مقابلها في الزاوية بين ضريحي الحسين عليهالسلام وولده عليّ الأكبر الشهيد ، متحدِّثين بما لا يُفهَم ، ومحمد بن قارون المقدّم قائمٌ بين أيديهم ، قال السورائي : وكنت أنا أيضاً غير بعيد عنهم ، فرأيت ابن الحجّاج مارّا في الحضرة المقدّسة ، فقلت لمحمد بن قارون : ألا تنظر إلى الرجل كيف يمرّ في الحضرة؟ فقال : أنا لا أحبّه حتى أنظر إليه.
قال : فسمعت الزهراء بذلك ، فقالت له مثل المغضبة : أما تحبُّ أبا عبد الله؟ أحبّوه فإنّه من لا يحبّه ليس من شيعتنا. ثمّ خرج الكلام من بين الأئمّة عليهمالسلام ، بأنّ من لا يحبُّ أبا عبد الله فليس بمؤمن. قال الشيخ محمد بن قارون : ولم أدرِ من قاله منهم ، ثمّ انتبهت فزعاً مرعوباً ممّا فرّطت في حقِّ أبي عبد الله من قبل ذلك.
__________________
(١) نقله عنه بحّاثة الطائفة ميرزا عبد الله الأصبهاني في رياض العلماء [٢ / ١١] ، وسيّدنا في روضات الجنّات : ص ٣٩ [٣ / ١٦٠ رقم ٢٦٦] ، وشيخنا العلاّمة الحجّة النوري في دار السلام : ١ / ١٤٨ [١ / ٣١٩] ، ونحن نلخّص ما في رياض العلماء. (المؤلف)
(٢) هو الفقيه الأوحد صاحب المقامات والكرامات ، أحد مشايخ العلم ، الحجّة ابن فهد الحلّي : المتوفّى (٨٤١). (المؤلف)