سمع الصالح ضجّة عظيمة ، فقال : ما الخبر؟ فقيل : إنّهم يفرحون. فقال : كأنّي بهؤلاء الجهلة وهم يقولون : ما مات الأوّل حتى استخلف هذا. وما علموا أنّني كنت من ساعة استعرضهم استعراض الغنم. قال عمارة (١) : دخلت على الصالح قبل قتله بثلاثة أيّام فناولني قرطاساً فيه بيتان من شعر وهما :
نحن في غفلةٍ ونومٍ وللمو |
|
ت عيونٌ يقظانةٌ لا تنامُ |
قد رحلنا إلى الحِمام سنِيناً |
|
ليت شعري متى يكون الحِمامُ |
فكان آخر عهدي به.
وقال عمارة أيضاً : ومن عجيب الاتِّفاق أنَّني أنشدت ابنه قصيدة أقول فيها :
أبوك الذي تسطو الليالي بحدِّهِ |
|
وأنت يمينٌ إن سطا وشمالُ |
لرتبتِهِ العظمى وإن طال عمرُه |
|
إليك مصيرٌ واجبٌ ومنالُ |
تخالصُك اللحظُ المصونُ ودونها |
|
حجابٌ شريفُ لا انقضى وحجالُ |
فانتقل الأمر إليه بعد ثلاثة أيّام.
٢ ـ وقال ابن خلّكان في تاريخه (٢) (١ / ٢٥٩) : دخل الصالح إلى القاهرة وتولّى الوزارة في أيّام الفائز ، واستقلَّ بالأمور وتدبير أحوال الدولة ، وكان فاضلاً محبّا لأهل الفضائل ، سمحاً في العطاء ، سهلاً في اللقاء ، جيّد الشعر ، ومن شعره :
كم ذا يُرينا الدهرُ من أحداثِهِ |
|
عِبَراً وفينا الصدُّ والإعراضُ |
ننسى المماتَ وليس يجري ذكرُهُ |
|
فينا فَتُذكِرُنا به الأمراضُ |
ومنه أيضاً :
ومهفهفٍ ثملِ القوامِ سرت إلى |
|
أعطافه النشواتُ من عينيهِ |
__________________
(١) أحد شعراء الغدير في القرن السادس ، يأتي شعره وترجمته في هذا الجزء. (المؤلف)
(٢) وفيات الأعيان : ٢ / ٥٢٦ رقم ٣١١.