بتعذيبه ، فأخذه متولّي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدَّ عليها قرمزية ، وقيل : إنّ هذه أشدُّ العقوبات ، وإنّ الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلاّ تنقب دماغه وتقتله ، ففعل ذلك به مراراً وهو لا يتأوّه وتوجد الخنافس ميّتة ، فعجب من ذلك وأحضره وقال له : هذا سرٌّ فيك ولا بدّ أن تعرِّفني به. فقال : والله ما سبب هذا إلاّ أنّي لمّا وصلت رأس الإمام الحسين حملتها. قال : وأيّ سرٍّ أعظم من هذا. وراجع في شأنه فعفا عنه. انتهى.
٤ ـ وقال الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي (١) (ص ١٢١) : قد ثبت أنّ طلائع بن رزّيك الذي بنى المشهد بالقاهرة ، نقل الرأس إلى هذا المشهد بعد أن بذل في نقلها نحو أربعين ألف دينار ، وخرج هو وعسكره فتلقّاها من خارج مصر حافياً مكشوف الرأس هو وعسكره ، وهو في برنس حرير أخضر في القبر الذي هو في المشهد ، موضوعة على كرسيٍّ من خشب الآبنوس ، ومفروش هناك نحو نصف أردب من الطيب كما أخبرني بذلك خادم المشهد ، إلى أن قال في (ص ١٢٢) : فزر يا أخي هذا المشهد بالنيّة الصالحة إن لم يكن عندك كشف ، فقول الإمام القرطبي : إنّ دفن الرأس في مصر باطل. صحيحٌ في أيّام القرطبي فإنّ الرأس إنّما نقلها طلائع بن رزّيك بعد موت القرطبي.
قال الأميني : هذا التصحيح لقول القرطبي يكشف عن جهل الشعراني بترجمة القرطبي وطلائع ، وقد خفي عليه أنّ القرطبي توفّي سنة (٦٧١) بعد وفاة طلائع الملك الصالح بمائة وخمس عشرة سنة ، فإنّه توفّي سنة (٥٥٦) ونطفة القرطبي لم تنعقد بعدُ.
ثمّ مشهد رأس الحسين الذي بناه طلائع احترق سنة (٧٤٠) فأُعيد بناؤه مراراً ، وأخيراً أُقيم في جواره جامع ، حتى إذا كانت أيّام الأمير عبد الرحمن كخيا ـ أحد أُمراء المماليك ـ فأُعيد بناء المشهد الحسيني في أواخر القرن الماضي للميلاد ، وبعد
__________________
(١) مختصر تذكرة القرطبي : ص ١٩١.