الفضائل.
ثم إنّ هذه المقولات التي تضمّنتها الرواية على فرض صدورها كانت بمشهد ومسمع من الصحابة ، أو سمعها على الأقل كثيرون منهم ، ومن أولئك السامعين الذين وعوها طلحة والزبير وعمّار ، فلما ذا لم يرجع إليها أحد منهم يوم تشديد الوطأة على عثمان ، وفي الحصارين ، وحول واقعة الدار؟ فهل اتّخذوها ظهريّا يومئذ مستخفّين بها؟ حاشاهم وهم الصحابة العدول كما يزعمون ، أو أنّهم نسوها كما نسيت مثلهاأمّهم عائشة من حديث الحوأب (١) ، فلم يذكروها حتى وضعت الفتنة أوزارها ، وهذا كما ترى ، ولعلّه لا يفوه به ذو مسكة.
وأمّا العلم الثاني الذي استخرج كنزه العاصمي من حصر إرث أمير المؤمنين عليّ من رسول الله بالكتاب والسنّة ، وفنّد حديث فدك وخيبر ، وشنّع على الشيعة بذلك فأتفه ممّا قبله ، فإنّ الشيعة لا تدّعي لأمير المؤمنين عليهالسلام الإرث المالي ولا ادّعاه هو ـ صلوات الله عليه ـ لنفسه يوم كان يطالبهم بفدك ، وإنّما كان يبغيها لأنّها حقّ لابنة عمّه الصدّيقة الطاهرة ، سواء كانت نِحلة لها من أبيها كما هو الصحيح أو إرثاً على أصول المواريث التي جاء بها الكتاب والسنّة ، على تفصيل عسى أن نتفرّغ له في غير هذا الموضع من الكتاب ، فمؤاخذة الشيعة بتلك المزعمة المختلقة تقوّل عليهم ، وما أكثر ما افتعلت عليهم الأكاذيب ، فإنّ ما تدّعيه الشيعة من إرث الإمام عليهالسلام عن مخلّفه ومشرّفه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يشذّ عمّا أَجمعت عليه أهل السنّة ، وهو من براهين الخلافة له عليهالسلام قال الحاكم (٢) : لا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العمّ لا يرث من العمّ ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ عليّا ورث العلم من النبيّ دونهم (٣) ، فهذه الوراثة الخاصّة لعليّ عليهالسلام من بين
__________________
(١) راجع الجزء الثالث : ص ١٨٨ ـ ١٩١. (المؤلف)
(٢) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٦ ح ٤٦٣٤.
(٣) راجع الجزء الثالث : ص ١٠٠. (المؤلف)