نظراً إلى أنّ البشارة بالجنّة كما سمعت تعمّ المؤمنين جمعاء ولا تنحصر بقوم منهم دون آخرين ، ووجد فيها مع ذلك نقصاً من ناحية خلوّها عن ذكر عائشة أمّ المؤمنين ، فصبّها في قالب يروقه ، وصوّر لها صورة مكبّرة تخصّ بأُولئك العشرة ولا يشاركهم فيها أحد ، وأسند إلى أبي ذر الغفاري أنّه قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منزل عائشة فقال : يا عائشة : ألا أُبشّرك؟ قالت : بلى يا رسول الله ، قال : أبوك في الجنّة ورفيقه إبراهيم ، وعمر في الجنّة ورفيقه نوح ، وعثمان في الجنّة ورفيقه أنا ، وعليّ في الجنّة ورفيقه يحيى بن زكريّا ، وطلحة في الجنّة ورفيقه داود ، والزبير في الجنّة ورفيقه إسماعيل ، وسعد بن أبي وقّاص في الجنّة ورفيقه سليمان بن داود ، وسعيد بن زيد في الجنّة ورفيقه موسى بن عمران ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنّة ورفيقه عيسى بن مريم ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنّة ورفيقه إدريس عليهالسلام. ثم قال : يا عائشة أنا سيّد المرسلين ، وأبوك أفضل الصدّيقين ، وأنت أُمّ المؤمنين (١).
ليت لهذه الرواية إسناداً معنعناً حتى نعرف واضعها ومختلقها على النبيّ الأقدس ، وليت مفتعلها يدري بأنّ الرفاقة بين اثنين تستدعي مشاكلتهما في الخصال ، وتقتضيها الوحدة الجامعة من النفسيّات والملكات ، فهل يسع لأيّ إنسان أن يقارن بين أُولئك الأنبياء المعصومين وبين تسعة رهط كانوا في المدينة في شيء ممّا يوجب الرفاقة؟ وهل لبشر أن يفهم سرّ هذا التقسيم في كلّ نبيّ معصوم مع رفيقه الذي لا عصمة له؟ ولعمر الحقّ إنّ هذا الانتخاب والاختيار في الرفاقة يضاهي الانتخاب في أصل الخلافة الذي كان لا عن جدارة وتأمّل. ما عشت أراك الدهر عجباً!
لما ذا لم يكن عبد الله بن مسعود الذي صحّ عند القوم في الثناء عليه : أنّه كان أشبه الناس هدياً ، ودلاّ ،وسمتاً بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) رفيق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويرافقه عثمان؟
__________________
(١) الرياض النضرة : ١ / ٢٠ [١ / ٣١] وقال : أخرجه الملاّ في سيرته [ج ٥ / ق ٢ / ١٩٦]. (المؤلف)
(٢) راجع الغدير : ٩ / ٩ الطبعة الأولى [ص ٢٠ من هذه الطبعة]. (المؤلف)