نعم ؛ عزب عن مفتعل الرواية ما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «يا عليّ أنت أخي ، وصاحبي ، ورفيقي ، في الجنّة» ، وهذه الرفاقة والصحبة والأُخوّة تقتضيها البرهنة الصادقة ، وتعاضدها المجانسة بين نبيّ العظمة وصنوه الطاهر في كلّ خَلّة ومأثرة ، وهي التي جمعتهما في آية التطهير ، وجعلتهما نفساً واحدة في الذكر الحكيم ، وقارنت بين ولايتيهما في محكم القرآن ، وكلّ تلكم الموضوعات نعرات الإحن ، ونفثات الأضغان ، اختلقت تجاه هذه المرفوعة في فضل مولانا سيّد العترة أمير المؤمنين عليهالسلام.
وهلمّ معي نسائل أبا ذر المنتهي إليه إسناد الرواية وعائشة المخاطبة بها ، هل كانا على ثقة وتصديق بها ، وأنّها صدرت من مصدر الوحي الإلهي الذي لا ينطق عن الهوى أم لا؟ ولئن سألتهما فعلى الخبيرين سقطت ، وأبو ذر هو الذي ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء أصدق منه ، وإذا أنت قرأت حديث ما جرى بين عثمان وأبي ذر لوجدت سيّد غفار في جانب جُنب عن هذه الرواية ، ولمّا يحكم عقلك بأن يكون هو راويها ونداء أبي ذرّ في الملأ الديني وقد تنغّر (١) على عثمان بعدُ يرنّ في أُذن الدنيا ، وقوارص لمزه وهمزه إيّاه بعد تلوكه الأشداق في أندية الرجال ، وكلمه المأثورة الخالدة في صفحات التاريخ تضادّ ما عزي إليه من الرواية ، وكلّ خطابه وعتابه إيّاه يُعرب عن أنّ أبا ذر قطّ لم يُؤمن بما اختلق عليه ، ولم يك يسمعه من الصادع الكريم ، وكان يحدّث الناس غير مكترث لبوادر عثمان ما كان سمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «إذا كملت بنو أُميّة ثلاثين رجلاً اتّخذوا بلاد الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا». كان يحدّث عثمان بذلك وعثمان يكذّبه (٢) ، ومن كذّبه فقد كذّب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) تنغّر : غلى وغضب.
(٢) راجع الغدير : ٩ / ٧٨ ـ ٨٦. (المؤلف)