ولم يكن أبو ذر شاذّا عن الصحابة في رأيه السيّئ ونقمته على عثمان ، بل نبأ المتجمهرين عليه من المهاجرين والأنصار ، والناقمين عليه من الحواضر الإسلامية ، والمجتمعين على وأده ، المحتجّين عليه بالكتاب العزيز ، يعطينا خُبراً بأنّ الرواية لا تصحّ عندهم ، ولا يصدّقها رجل صدق منهم.
وهل نسيتها أمّ المؤمنين المخاطَبة بها ، أو تغاضت عنها يوم كانت تنادي في ملأ من الصحابة : اقتلوا نعثلاً قتله الله؟ ويوم قالت لمروان : وددت والله أنّك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره ، في رجل كلّ واحد منكما رحىً وأنّكما في البحر. ويوم قالت : وددتُ والله أنّه في غرارة من غرائري هذه وأنّي طوّقت حمله حتى ألقيه في البحر ، ويوم قالت لابن عباس : إنّ الله قد آتاك عقلاً ، وفهماً ، وبياناً ، فإيّاك أن تردّ الناس عن هذه الطاغية. ويوم أخرجت ثوب رسول الله وهي تقول : هذا ثوب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يبلَ ، وعثمان قد أبلى سنّته. ويوم قالت لمّا بلغها نعيه : أبعده الله ذلك بما قدّمت يداه ، وما الله بظلاّم للعبيد. ويوم قالت : بُعداً لنعثل وسحقاً (١).
أيخبرك ضميرك الحرّ بأنّ صاحبة تلكم المواقف الهائلة كانت تصدّق تلك الرواية ، وتؤمن بها وترى نعثلاً رفيق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الجنّة؟ فاستعذ بالله من أن تكون من الجاهلين.
٣٨ ـ قال محمد بن آدم : رأيت بمكة أسقفاً (٢) يطوف بالكعبة ، فقلت له : ما الذي نزعك عن دين آبائك؟ قال : تبادلت (٣) خيراً منه. فقلت : وكيف ذلك؟ قال : ركبت البحر ، فلمّا توسّطناه انكسرت المركب ، فلم تزل الأمواج تدفعني حتى رمتني
__________________
(١) راجع الغدير : ٩ / ٧٨ ـ ٨٦. (المؤلف)
(٢) الأسقف والأسقف : فوق القسيس ودون المطران ، والكلمة يونانية ، جمعها أساقفة وأساقف. (المؤلف)
(٣) في المصدر : تبدّلت خيراً منه.