لأرجو أن لا تضرّ إلاّ نفسك ، ولا تمحق إلاّ عملك ، فَكِدْني ما بدا لك ، واتّق الله يا معاوية واعلم أنّ لله كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، واعلم أنّ الله ليس بناس لك قتلك بالظنّة ، وأخذك بالتهمة ، وإمارتك صبيّا يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلاّ قد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت الرعيّة. والسلام»
الإمامة والسياسة (١٠) (١ / ١٣١ وفي طبعة : ص ١٤٨) ، جمهرة الرسائل (٢ / ٦٧).
٥٣ ـ خطب الإمام السبط الحسين الشهيد ـ سلام الله عليه ـ لمّا قدم معاوية المدينة حاجّا ، وأخذ البيعة ليزيد ، وخطب ومدح يزيد الطاغية ، ووصفه بالعلم بالسنّة ، وقراءة القرآن ، والحلم الذي يرجح بالصمّ الصلاب. فقام الحسين فحمد الله وصلّى على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قال :
«أمّا بعد يا معاوية : فلن يؤدّي القائل ـ وإن أطنب ـ في صفة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من جميع جزءاً ، قد فهمت ما ألبست به الخلف بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ البيعة ، وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضّلت حتى أفرطت ، واستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى بَخِلت ، وجُرْتَ حتى جاوزت ، ما بذلت لذي حقّ من أتمّ حقّه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.
وفهمت ما ذكرته عن يزيد ، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً ، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المتهارشة عند التحارش (١١) ، والحمام السبّق لأترابهنّ ، والقينات ذوات المعازف ، وضروب الملاهي ، تجده ناصراً. ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن
__________________
(١٠) الإمامة والسياسة : ١ / ١٥٥.
(١١) كذا في جمهرة الخطب ، وفي الإمامة والسياسة : عند التهارش.