أتراها مصيبة؟ فقال : ولم لا أراها مصيبة؟ وقد وضعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجره ، فقال : «هذا منّي وحسين من عليّ». فقال الأسدي : جمرة أطفأها الله عزّ وجلّ ، قال : فقال المقدام : أمّا أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأُسمعك ما تكره ، ثمّ قال : يا معاوية إن أنا صدقت فصدّقني ، وإن أنا كذبت فكذّبني ، قال : أفعل. قال فأَنشدك بالله : هل تعلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن لبس الحرير؟ قال : نعم. قال : فأَنشدك بالله : هل سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينهى عن لبس الذهب؟ قال : نعم. قال : فأَنشدك بالله : هل تعلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال : نعم. قال : فو الله لقد رأيت هذا كلّه في بيتك يا معاوية فقال معاوية : قد علمت أنّي لن أنجو منك يا مقدام (١).
قال الأميني : هل يُرجى خير ممّن اعترف بكلّ ما قيل له من المحظورات المتسالم عليها التي ارتكبها فهلاّ أقلع عنها لمّا ذُكّر بحكمها الذي نسيه أو لم يعبأ به؟ لكنّ الرجل طاغوت يعمل عمل الفراعنة ولم يكترث لمغبّته ، ولم يُبالِ بمخالفة السنّة الثابتة ، فزهٍ به خليفة تولّى أمر الأُمّة بغير مرضاتها ، وتغلّب على إمرتها من دون أيّ حنكة.
قد جاء في كتاب لأمير المؤمنين عليهالسلام إلى عمرو بن العاص ، قوله : فإنّك قد جعلت دينك تبعاً لدنيا امرئ ظاهرٍ غيّه ، مهتوك ستره ... إلى آخره.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (٢) (٤ / ٦٠) : فأمّا قوله عليهالسلام في معاوية : ظاهر غيّه ، فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيه وكلّ باغ غاوٍ. وأمّا مهتوك ستره : فإنّه كان كثير الهزل والخلاعة ، صاحب جلساء وسمّار ، ومعاوية لم يتوقّر ولم يلزم قانون الرئاسة إلاّ منذ خرج على أمير المؤمنين ، واحتاج إلى الناموس والسكينة ، وإلاّ فقد كان في أيّام
__________________
(١) سنن أبي داود : ٢ / ١٨٦ [٤ / ٦٨ ح ٤١٣١]. (المؤلف)
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٦٠ كتاب ٣٩.