أحد يخالفك. قال : فارجع إلى عملك وتحدّث مع من تثق إليه في ذلك ، وترى ونرى. فودّعه ورجع إلى أصحابه ، فقالوا : مه. قال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أُمّة محمد ، وفتقت عليهم فتقاً لا يرتق أبداً. وتمثّل :
بمثلي شاهدي نجوى وغالى |
|
بي الأعداء والخصم الغضابا |
وسار المغيرة حتى قدم الكوفة ، وذاكر من يثق إليه ومن يعلم أنّه شيعة لبني أُميّة أمر يزيد ، فأجابوا إلى بيعته ، فأوفد منهم عشرة ، ويقال : أكثر من عشرة ، وأعطاهم ثلاثين ألف درهم ، وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة ، وقدموا على معاوية فزيّنوا له بيعة يزيد ، ودعوه إلى عقدها. فقال معاوية : لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا على رأيكم ، ثم قال لموسى : بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال : بثلاثين ألفاً. قال : لقد هان عليهم دينهم.
وقيل : أرسل أربعين رجلاً وجعل عليهم ابنه عروة ، فلمّا دخلوا على معاوية قاموا خطباء ، فقالوا : إنّما أشخصهم إليه النظر لأُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالوا : يا أمير المؤمنين كبرت سنّك ، وخفنا انتشار الحبل ، فانصب لنا علماً ، وحدّ لنا حدّا ننتهي إليه. فقال : أشيروا عليّ. فقالوا : نشير بيزيد ابن أمير المؤمنين. فقال : أَوَقد رضيتموه؟ قالوا : نعم. قال : وذلك رأيكم؟ قالوا : نعم ، ورأي من وراءنا. فقال معاوية لعروة سرّا عنهم : بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال : بأربعمائة دينار. قال : لقد وجد دينهم عندهم رخيصاً ، وقال لهم : ننظر ما قدمتم له ويقضي الله ما أراد ، والأناة خير من العجلة ، فرجعوا.
وقوي عزم معاوية على البيعة ليزيد ، فأرسل إلى زياد يستشيره ، فأحضر زياد عبيد بن كعب النميري وقال له : إنّ لكلّ مستشير ثقة ، ولكلّ سرّ مستودع ، وإنّ الناس قد أبدع بهم خَصلتان : إذاعة السرّ ، وإخراج النصيحة إلى غير أهلها ، وليس موضع السرّ إلاّ أحد رجلين : رجل آخرة يرجو ثوابها ، ورجل دنيا له شرف في نفسه ، وعقل يصون حسبه ، وقد خبرتهما منك ، وقد دعوتك لأمر اتّهمت عليه بطون