يستشيره في ذلك ، فكره زياد ذلك لما يعلم من لعب يزيد وإقباله على اللعب والصيد ، فبعث إليه من يثني رأيه عن ذلك وهو عُبيد بن كعب النميري ـ وكان صاحباً أكيداً لزياد ـ ، فسار إلى دمشق فاجتمع بيزيد أوّلاً فكلّمه عن زياد ، وأشار عليه بأن لا يطلب ذلك ، فإنّ تركه خير له من السعي فيه ، فانزجر يزيد عمّا يريد من ذلك ، واجتمع بأبيه واتّفقا على ترك ذلك في هذا الوقت ، فلمّا مات زياد شرع معاوية في نظم ذلك والدعاء إليه ، وعقد البيعة لولده يزيد ، وكتب إلى الآفاق بذلك.
صورة أخرى :
في بدء بدئها : كان ابتداء بيعة يزيد وأوّلها من المغيرة بن شعبة ، فإنّ معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويستعمل عوضه سعيد بن العاص ، فبلغه ذلك فقال : الرأي أن أشخص إلى معاوية فاستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية ، فسار إلى معاوية ، وقال لأصحابه حين وصل إليه : إن لم أُكسبكم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبداً ، ومضى حتى دخل على يزيد ، وقال له : إنّه قد ذهب أعيان أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكبراء قريش وذوو أسنانهم ، وإنّما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأياً ، وأعلمهم بالسنّة والسياسة ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟ قال : أوترى ذلك يتمّ؟ قال : نعم. فدخل يزيد على أبيه وأخبره بما قال المغيرة ، فأحضر المغيرة وقال له : ما يقول يزيد؟ فقال : يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان (١) وفي يزيد منك خلف فاعقد له ، فإن حدث بك حادث كان كهفاً للناس ، وخلفاً منك ، ولا تسفك دماء ، ولا تكون فتنة. قال : ومن لي بهذا؟ قال : أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين
__________________
(١) ألا مُسائِل المغيرة عن أنّ هذا الشقاق والخلاف وسفك الدماء المحرّمة في عدم الاستخلاف ، هل كان يعلمها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فلما ذا ترك أُمّته سدى ولم يستخلف ، كما زعمه هو والسياسيون من رجال الانتخاب الدستوري؟ (المؤلف)