المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري ، فكيف يحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابع وحولك من لا يؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته؟ وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك ، إنّ هذا لهو الخسران المبين ، وأستغفر الله لي ولكم».
فنظر معاوية إلى ابن عبّاس ، فقال : ما هذا يا ابن عبّاس؟ ولما عندك أدهى وأمرّ. فقال ابن عبّاس : لعمر الله إنّها لذريّة الرسول ، وأحد أصحاب الكساء ، ومن البيت المطهّر ، فالْهُ عمّا تريد ، فإنّ لك في الناس مقنعاً حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين.
فقال معاوية : أَعوَدُ الحلم التحلّم ، وخيرُه التحلّم عن الأهل ، انصرفا في حفظ الله. ثم أرسل معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر ، وإلى عبد الله بن عمر ، وإلى عبد الله ابن الزبير ، فجلسوا ، فحمد الله وأثنى عليه معاوية ، ثم قال :
يا عبد الله بن عمر قد كنت تحدّثنا أنّك لا تحبّ أن تبيت ليلة وليس في عنقك بيعة جماعة ، وأنّ لك الدنيا وما فيها ، وإنّي أُحذّرك أن تشقّ عصا المسلمين ، وتسعى في تفريق ملئهم ، وأن تسفك دماءهم ، وإنّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء ، وليس للعباد خيرة من أمرهم ، وقد وكّد الناس بيعتهم في أعناقهم ، وأعطوا على ذلك عهودهم ومواثيقهم. ثم سكت.
فتكلّم عبد الله بن عمر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أمّا بعد : يا معاوية قد كان قبلك خلفاء ، وكان لهم بنون ، ليس ابنك بخير من أبنائهم ، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك ، فلم يُحابوا في هذا الأمر أحداً ، ولكن اختاروا لهذه الأُمّة حيث علموهم ، وإنّك تحذّرني أن أشقّ عصا المسلمين وأُفرّق ملأهم ، وأسفك دماءهم ، ولم أكن لأفعل ذلك إن شاء الله ، ولكن إن استقام الناس